والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: ما العقل والعلم المطبوع؟ وبم يختلف عن العقل والعلم المسموع؟ ولماذا لا ينفع الانسان عقل التجربة والعلم المسموع إذا لم يكن العقل والعلم المطبوع؟
والجواب هو: الظاهر أن المراد من العقل والعلم المطبوع هو مجموعة المعارف التي أودعها الله عز وجل في طبيعة كل انسان، ليعثر بواسطتها على الطريق الذي يقوده إلى الكمال، ويسير بها على طريق الغاية النهائية لعالم الخلقة. وقد عبر القرآن الكريم عن هذه المعارف الفطرية بإلهام الفجور والتقوى، وذلك في قوله: * (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها) * (1)، وهو ما يسمى اليوم بالوجدان الأخلاقي.
يعتبر عقل الطبع أو الوجدان الأخلاقي مبدأ للإدراك، وفي الوقت ذاته كمبدأ للحفز، ولو قدر له الانبعاث والتنامي على أساس تعاليم الأنبياء لتسنى للإنسان الاستفادة من سائر المعارف التي اختزنها عن طريق الدراسة والتجربة، ولتيسر له تحقيق الحياة الانسانية الطيبة التي يصبو إليها. أما إذا مات عقل الطبع على أثر اتباع الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فلا تنفع الانسان عند ذاك أية معرفة في إيصاله إلى الحياة المنشودة، مثلما ورد في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي شبه فيه عقل الطبع بالعين، وعقل التجربة بالشمس. ولا شك في أن رؤية الحقائق تستلزم وجود عين سليمة من جهة، ووجود نور الشمس من جهة أخرى. وكما أن نور الشمس لا يحول دون زلل الأعمى، فكذلك لا ينفع عقل التجربة في الحيلولة دون زلل وسقوط من مات لديه عقل الطبع والوجدان الأخلاقي.
الفرق بين العاقل والعالم:
بينا في مدخل كتاب " العلم والحكمة في الكتاب والسنة " أن لكلمة " العلم " في النصوص الإسلامية استخدامين: يعنى أحدهما بجوهر وحقيقة العلم، فيما يتناول