العورة، وحديث علي هذا وإن كان غير منتهض على الاستقلال ففي الباب من الأحاديث ما يصلح للاحتجاج به على المطلوب. وقال بعد ذكر حديث جرهد: الحديث من أدلة القائلين بأن الفخذ عورة وهم الجمهور. ا ه.
هب أن النهي عن كشف الأفخاذ تنزيهي إلا أنه لا شك في أن سترها أدب من آداب الشريعة، ومن لوازم الوقار ومقارنات الأبهة: ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى برعاية هذا الأدب الذي صدع به هو، قال ابن رشد في تمهيدات المدونة الكبرى 1:
110: والذي أقول به إن ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في الفخذ ليس باختلاف تعارض ومعناه أنه ليس بعورة يجب سترها فرضا كالقبل والدبر وأنه عورة يجب سترها في مكارم الأخلاق ومحاسنها، فلا ينبغي التهاون بذلك في المحافل والجماعات ولا عند ذوي الأقدار والهيئات، فعلى هذا تستعمل الآثار كلها واستعمالها كلها أولى من اطراح بعضها. ا ه.
فعلى كلا التقديرين نحاشي نبي العظمة والجلال أن يكشف عن فخذيه في الملأ غير مكترث للحضور - وهو أشد حياء من العذراء - ولا يأبه بهم حتى أن يأتي رضيع ثدي الحياء، وربيب بين القداسة وليد آل أمية، أشد الأمة حياء، وقد قتلته أفعاله النائية عن تلك الملكة الفاضلة.
ولا يهولنك وجود الرواية في الصحيحين فإنهما كما قلنا عنهما علبتا السفاسف وعيبتا السقطات وفيهما من المخازي والمخاريق ما شوه سمعة التأليف، وفت في عضد علم الحديث، ولعلنا سوف ندعم ما ادعيناه بالبرهنة الصادقة إنشاء الله تعالى: وليتهما اقتصرا من الخزاية على رواية كشف الفخذ فحسب ولم يخرجا تعريه صلى الله عليه وآله وسلم بين الناس، أخرج البخاري في صحيحه باب بنيان الكعبة ج 6: 13، ومسلم في صحيحه ج 1: 184 من طريق جابر بن عبد الله قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة، فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على عاتقك يقيك من الحجارة.
ففعل، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال: إزاري إزاري فشد عليه إزاره.
وفي لفظ لمسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه