فإنهم كانوا بين مباشر لهاتيك الأحوال، وبين خاذل للمودى به، وبين مؤلب عليه، إلى مثبط عنه، إلى راض بما فعلوا، إلى محبذ لتلكم الأهوال، وكان يرن في مسامعهم قوله تعالى: لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. وقوله تعالى: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا. وقوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.
وما جاء في ذلك من السنة أكثر، وما يؤثر عن نبي العظمة صلى الله عليه وآله وسلم من وجوب دفن موتى المؤمنين وتغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم، وإن حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، فالقوم إن كانوا متعمدين في مخالفة هذه النصوص؟ فهم فساق إن لم نقل إنهم مراق عن الدين بخروجهم على الإمام المفترض طاعته.
أو أن هذه الأحوال تستدعي انحراف الخليفة عن الطريقة المثلى؟ وأن القوم اعتقدوا بخروجه عن مصاديق تلكم الأوامر والمناهي المؤكدة التي تطابق عليها الكتاب والسنة. وليس من السهل الهين البخوع إلى أي من طرفي الترديد؟ أما الصحابة فكلهم عدول عند القوم يركن إليهم ويحتج بأقوالهم وأفعالهم ويوثق بإيمانهم، وقد كهربتهم صحبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأخرج درن نفوسهم، وكان في المعمعة منهم بقايا العشرة المبشرة كطلحة والزبير، ولطلحة خاصة فظاظات حول ذلك الجلاد، إلى أناس آخرين من ذوي المآثر نظراء عمار بن ياسر، ومالك الأشتر، وعبد الله بن بديل، وكان بين ظهرانيهم إمام المسلمين أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو المرموق يومئذ للخلافة، وقد انثنت إليه الخناصر، والأمة أطوع له من الظل لذيه. أفتراه والحالة هذه سكت عن تلكم الفظايع وهو مطل عليها من كثب وهو أعلم الناس بنواميس الشريعة، وأهداهم إلى طريقها المهيع، وهو يعلم أن من المحظور ارتكابها؟ لا ها الله.
أو أنه عليه السلام أخذ الحياد في ذلك المأزق الحرج وهو مستبيح للحياد أو لما يعملون به؟ أنا لا أدري.
وليس من المستطاع القول بأن معظم الصحابة ما كانوا عالمين بتلكم الوقايع، أو أنهم ما كانوا يحسبون أن الأمر يبلغ ذلك المبلغ، أو أنهم كانوا غير راضين بهاتيك الأحدوثة، فإن الواقعة ما كانت مباغتة ولا غيلة حتى يعزب عن أحد علمها، فإن