الحوار استدام أكثر من شهرين، وطيلة هذه المدة لم يكن للمتجمهرين طلبة من الخليفة إلا الاقلاع عن أحداثه، أو التنازل عن عرش الخلافة، وكانوا يهددونه بالقتل إن لم يخضع لإحدى الطلبتين، وكانت نعرات القوم في ذلك تتموج بها الفضاء، وعقيرة عثمان في التوبة تارة وعدم التنازل أخرى وتخويفهم بمغبات القتل ثالثة تتسرب في فجوات الجو، فلو كان معظم الصحابة منحازين عن ذلك الرأي لكان في وسعهم تفريق الجمع بالقهر أو الموعظة، لكن بالرغم عما يزعم عليهم لم يؤثر عن أحد منهم ما يثبت ذلك أو يقربه، وما أسلفناه من الأحاديث الجمة النامة عن معتقدات الصحابة في الخليفة وفي التوثب عليه تفند هذه المزعمة الفارغة، إن لم نقل أنها تثبت ما يعلمه الكل من الإجماع على مقت الخليفة والتصافق على ما نقموا عليه والرضا بما نيل منه، حتى أن أحدا لم يرو عنه أنه ساءه نداء قاتله حين طاف بالمدينة ثلاثا قائلا: أنا قاتل نعثل (1).
وأما ثاني الاحتمالين فمن المستعصب أن يبلغ سوء الظن بالخليفة هذا المدى، وإن كانت الصحابة جزموا بذلك، والشاهد يرى ما لا يراه الغايب، وقد أوقفناك على قول السيدة عائشة: اقتلوا نعثلا قتله الله وقد كفر.
وقولها لمروان: وددت والله أنه في غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر.
وقولها لابن عباس: إياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية.
وقول عبد الرحمن بن عوف للإمام أمير المؤمنين عليه السلام: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي، إنه قد خالف ما أعطاني.
وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه.
وقوله له: لله علي أن لا أكلمك أبدا.
وقول طلحة لمجمع بن جارية لما قال له: أظنكم والله قاتليه: (فإن قتل فلا ملك مقرب ولا نبي مرسل).
وقد مر أن طلحة كان أشد الناس على عثمان في قتله يوم الدار، وقتل دون دمه وقول الزبير: اقتلوه فقد بدل دينكم.