آخر أيامه تلك بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال: قل لها: يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك هجرة ولا قلى (1)، ولكن ربي عز وجل أمرني بذلك لينفذ أمره فلا تظني يا خديجة إلا خيرا، فإن الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا، فإذا جنك الليل فاجيفي (2) الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإني في منزل فاطمة بنت أسد رضي الله عنها.
فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مرارا لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرائيل عليه السلام، فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلا م، وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته، قال النبي صلى الله عليه وآله: يا جبرائيل وما تحفة رب العالمين؟ وما تحيته؟ قال: لا علم لي.
قال: فبينا النبي صلى الله عليه وآله كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس، أو قال: إستبرق، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله، وأقبل جبرائيل [عليه السلام] على النبي صلى الله عليه وآله، وقال: يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام.
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا أراد أن يفطر أمرني ان أفتح الباب لمن يرد إلى الإفطار، فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي صلى الله عليه وآله على باب المنزل، وقال: يا ابن أبي طالب إنه طعام محرم إلا علي.
قال علي عليه السلام: فجلست على الباب وخلا النبي صلى الله عليه وآله بالطعام، وكشف الطبق، فإذا عذق من رطب وعنقود من عنب، فأكل النبي صلى الله عليه وآله منه شبعا، وشرب من الماء ريا، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرائيل، وغسل يده ميكائيل، وتمندله إسرافيل عليهم السلام، فارتفع (3) فاضل الطعام مع الإناء إلى السماء، ثم قام النبي صلى الله عليه وآله ليصلي فأقبل عليه جبرائيل، فقال (4): الصلاة محرمة عليك في وقتك