قال في نهج البلاغة من خطبة له عليه السلام:
(ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، أني لم أرد على الله سبحانه ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته [بنفسي] (1) في المواطن التي تنكص فيها الابطال، وتتأخر [فيها] (2) الأقدام نجدة أكرمني الله [بها] (3) ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وإن رأسه لعلى صدري، وقد (4) سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية، ملأ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة - أي الكلام الخفي - منهم يصلون عليه حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حيا وميتا؟) (5).
أقول: قد يقال: إن المراد بسيلان النفس هبوب النفس عند انقطاع الأنفاس.
وقيل: أراد بنفسه دمه صلى الله عليه وآله. يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قاء عند وفاته دما يسيرا (6)، وأن عليا عليه السلام مسح بذلك وجهه، والله العالم.
قال المفيد: ولم يحضر دفن رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر الناس، لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة، وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك، وأصبحت فاطمة عليها السلام تنادي: وا سوء صباحاه، فسمعها أبو بكر فقال لها: إن صباحك لصباح سوء (7).
وروى ابن عبد ربه في العقد الفريد عن أنس بن مالك، قال: لما فرغنا من دفن رسول الله صلى الله عليه وآله أقبلت علي فاطمة، فقالت: يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله صلى الله عليه وآله التراب، ثم بكت ونادت: يا أبتا ه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من ربه ما أدناه (8) * * *