فكنت أسر بذلك وأحمد الله عليه، وكان عليه السلام رجلا (1) لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إما صائما، وإما قائما، وإما ذاكرا، وكان من عظماء العباد، وأكابر الزهاد، والذين يخشون الله عز وجل، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله، اخضر مرة واصفر أخرى حتى ينكره من كان (2) يعرفه. ولقد حججت معه سنة، فلما استوت به راحلته عند الإحرام كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد أن يخر من راحلته، فقلت: قل يا ابن رسول الله، ولابد لك من أن تقول، فقال عليه السلام: يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول:
(لبيك اللهم لبيك)، وأخشى أن يقول عز وجل [لي]: (لا لبيك ولا سعديك) (3).
وفي توحيد المفضل: إنه لما سمع المفضل من ابن أبي العوجاء، بعض كفرياته، لم يملك غضبه، فقال: يا عدو الله ألحدت في دين الله، وأنكرت البارئ جل قدسه، إلى آخر ما قال له.
فقال ابن أبي العوجاء: يا هذا إن كنت من أهل الكلام كلمناك، فإن ثبت لك الحجة تبعناك، وإن لم تكن منهم فلا كلام لك، وإن كنت من أصحاب جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل دليلك يجادلنا (4)، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت فما أفحش في خطابنا ولا تعدى في جوابنا، وإنه الحليم الرزين، العاقل الرصين، لا يعتريه خرق (5)، ولا طيش ولا نزق (6)، يسمع كلامنا، ويصغي إلينا، ويستعرف (7) حجتنا حتى إذا استفرغنا ما عندنا، وظننا إنا قد قطعناه، دحض حجتنا بكلام يسير، وخطاب قصير، يلزمنا به الحجة، ويقطع العذر، ولا