وغرفة ضيقة نفسك فيها خالية * أو مسجد بمعزل عن الورى في ناحية تتلو به صحيفة مستدثرا ببارية * خير من التيجان في قصر ودار عاليه يا حسنها موعظة * فأين اذن واعيه وقال عليه السلام لفضيل بن عثمان: أوصيك بتقوى الله، وصد الحديث، وإداء الأمانة، وحسن الصحابة لمن صحبك، وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء، واجتهد ولا تمتنع من شئ تطلبه من ربك، ولا تقول (1): هذا ما لا أعطاه، وادع فإن الله يفعل ما يشاء (2).
وقيل له عليه السلام: على ماذا بنيت أمرك، فقال: على أربعة أشياء: علمت أن عملي لا يعمله غيري فاجتهدت، وعلمت أن الله عز وجل مطلع علي فاستحييت، وعلمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأننت، وعلمت أن آخر أمري الموت فاستعددت.
وقال عليه السلام في وصيته لعبد الله بن جندب: يا بن جندب أقل النوم بالليل والكلام بالنهار، فما في الجسد شئ أقل شكرا من العين واللسان، فإن أم سليمان قالت لسليمان عليه السلام: يا بني إياك والنوم، فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم (3).
وقال له: وأقنع بما قسمه الله لك، ولا تنظر إلا ما عندك، ولا تتمن ما لست تناله، فإن من قنع شبع، ومن لم يقنع لم يشبع، وخذ حظك من آخرتك، ولا تكن بطرا في الغنى، ولا جزعا في الفقر، ولا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك، ولا تكن واهنا يحقرك من عرفك، ولا تشار من فوقك، ولا تسخر بمن هو دونك، ولا تنازع الأمر أهله، ولا تطع السفهاء، ولا تكن مهينا تحت كل أحد، ولا تتكلن على كفاية أحد، وقف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم... الخ (4).