فلم يزل في الحمراء نهاره كله حتى جاء الليل، ومضى أكثره، قال: ثم دعا أبي الربيع فقال له: يا ربيع، إنك تعرف موضعك مني، وأني (1) يكون لي الخبر ولا تظهر عليه أمهات الأولاد، وتكون أنت المعالج له، فقال: قلت [له] (2): يا أمير المؤمنين ذلك من فضل الله علي، وفضل أمير المؤمنين، وما فوقي في النصح غاية، قال:
كذلك أنت، سر الساعة إلى جعفر بن محمد بن فاطمة، فأتني به على الحال الذي تجده عليه، لا تغير شيئا مما هو (3) عليه فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا والله هو العطب إن اتيت به على ما أراه من غضبه قتله وذهبت الآخرة، وإن لم آت به وادهنت في أمره قتلني وقتل نسلي وأخذ أموالي، فخيرت (4) بين الدنيا والآخرة فمالت نفسي إلى الدنيا.
قال محمد بن الربيع: فدعاني أبي وكنت أفظ ولده وأغلظهم قلبا، فقال لي:
أمض إلى جعفر بن محمد بن علي فتسلق على حائطه ولا تستفتح عليه بابا، فيغير بعض ما هو عليه، ولكن انزل عليه نزولا فات به على الحال التي هو فيها.
قال: فأتيته وقد ذهب الليل إلا أقله، فأمرت بنصب السلاليم، وتسلقت عليه الحائط فنزلت عليه داره، فوجدته قائما يصلي وعليه قميص ومنديل قد ائتزر به، فلما سلم من صلاته قلت له: أجب أمير المؤمنين، فقال: دعني أدعو والبس ثيابي فقلت [له (5)]: ليس إلى تركك وذلك سبيل، قال: وأدخل (6) المغتسل فأتطهر (7)، قال: قلت: وليس إلى ذلك سبيل، فلا تشغل نفسك فاني لا أدعك تغير شيئا.
قال: فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه ومنديله، وكان قد جاوز السبعين، فلما مضى بعض الطريق ضعف الشيخ، فرحمته فقلت له: أر كب فركب بغلا شاكريا