عليه السلام وقد أومأت إلى الناس بأن انصتوا 1، فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثم قالت: الحمد لله والصلاة على أبى محمد وآله الطيبين الأخيار.
أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، 2 ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم، ألا وهل فيكم إلا الصلف والنطف، [والصدر الشنف] وملق الإماء، و غمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون وتنتحبون؟ إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، 3، [و معدن الرسالة،] وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم، ومدره سنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبعدا لكم وسحقا، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة [أتدرون] أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟ وأي حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء - وفي بعضها: خرقاء شوهاء - كطلاع الأرض، وملاء السماء، أفعجبتم أن قطرت 4 السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثأر وإن ربكم لبالمرصاد.
قال: فوالله لقد رأيت الناس [يومئذ] حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، و نسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى.