في القبلة أن فيها اتساعا كثيرا، وأنه يكفي فيها التوجه إلى ما يصدق عليه عرفا أنه جهة الكعبة، وناحيتها، لما عرفت من تفسير الآية، وأنه لا يستفاد منها إلا الشطر والجهة، ولقولهم عليهم السلام " ما بين المشرق والمغرب قبلة " وقولهم عليهم السلام: ضع الجدي على قفاك وصل، فان بناء الامر على هذه العلامة التي تختلف بحسب البلاد اختلافا فاحشا يرشد إلى توسعة عظيمة، وخلو الاخبار عما زاد على ذلك، وكذا كتب الأقدمين مع شدة الحاجة، وتوفر الدواعي على النقل والمعرفة، وعظم إشفاقهم على الشيعة، مما يؤيد ذلك.
والظاهر أنه لا تجب الاستعانة بعلم الهيئة، وتعلم مسائله، لأنه علم دقيق، ومسائلها مبنية على مقدمات كثيرة يحتاج تحصيلها إلى زمان طويل، وهمة عظيمة وفطرة سليمة، والتكليف بذلك لجمهور الناس مباين للشريعة السمحة السهلة، وإن أمكن أن يقال: أكثر مسائل الفقه تحقيقها وترجيحها موقوف على مقدمات كثيرة لا يطلع عليها ولا يحققها إلا أوحدي الناس، وسائر الناس يرجعون إليه بالتقليد فيمكن أن يكون أمر القبلة أيضا كذلك لان الظن الحاصل من ذلك أقوى من سائر الامارات المفيدة له، ولا ريب أنه أحوط وأولى.
لكن الحكم بوجوبه وتعيينه مشكل، إذ لو كان ذلك واجبا لكان له في طرق الأصحاب أو سائر فرق المسلمين خبر أو يجئ به أثر، فلما لم يكن ذلك في الاخبار ولا عمل المتقدمين الانسين بسير أهل البيت عليهم السلام علمنا انتفاءه، مع أن غاية ما يحصل عنه بعد بذل غاية الجهد ليس إلا الظن والتخمين، لا القطع واليقين، وكل ذلك لا ينافي كون الرجوع إليه أولى، لكونه أوفق من ساير الظنون وأقوى، والله الموفق للخير والهدى.
7 - العياشي: عن حريز قال أبو جعفر عليه السلام: استقبل القبلة بوجهك، ولا تقلب وجهك فتفسد صلاتك، فان الله يقول لنبيه صلى الله عليه وآله في الفريضة " فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (1).