لتحصيل المثوبات الأخروية على الأظهر، والحاصل أن لا يكون باعثه على الفعل رثاء الناس والتقرب إلى المخلوقين.
قال أبو الصلاح: يستحب أن يرجو بفعلها مزيد الثواب والنجاة من العقاب، وليقتدى به ويرغم الضالون انتهى، وأما حصول المنافع الدنيوية من الله تعالى فلا يمكن الجزم ببطلان عمل قرن بهذه النية فان صلوات الحاجة من جملة العبادات مع أنه لا يمكن أن يتصور خلوص المصلي عن حصول هذا المطلب الذي يصلي له وورد في كثير من الاخبار أن صلاة الليل مثلا يزيد في الرزق، وبعد سماع ذلك يشكل خلوص النية عنه، وقد مر تفصيل ذلك في باب الاخلاص.
وأمانية الوجوب والندب والأداء والقضاء، فقد ذكر الأكثر وجوبها، بل ادعى بعضهم الاجماع عليها، وعندي في جميع ذلك نظر لعدم دليل من النصوص عليه، نعم لا يبعد وجوب تعيين الفعل الذي يأتي به بحيث يتميز عن غيره، وهذا أمر قلما ينفك عنه المكلف، فان من يقوم إلى قريضة الظهر تتعين عنده نوعا من التعين ثم يقصده وقصد إيقاع الفعل أيضا شئ لا ينفك عنه الفاعل بالإرادة والاختيار.
وأما القربة فهي أصعب الأمور ولا يتيسر تصحيحها عند إرادة الصلاة، بل يتوقف على مجاهدات عظيمة وتفكرات صحيحة، وإزالة حب الدنيا والأموال والاعتبارات الدنيوية عن النفس، والتوسل في جميع ذلك بجناب الحق تعالى ليتيسر له إحدى المعاني السابقة بحسب استعداده وقابليته، وما صادفه من توفيق الله وهدايته فان كلا يعمل على شاكلته، ونية كل امرئ تابع لما استقر في قلبه من حب الله وأحب الدنيا أو حب الجاه أو المال أو غير ذلك، وقلع عروق هذه الاغراض عن النفس في غاية العسر والاشكال، ومعها تصحيح النية من قبيل المحال، ولذا ورد " نية المؤمن خير من عمله " والمراد إخلاص القصد من أغراضه وعلله، ولما جعل أكثر الخلق خطور البال النية صاروا من هذا الاشكال والضيق في غاية الفسحة، فكم من عابد من أهل الدنيا يظن أن نيته خالصة لله، ولا يعبد في جميع عصره إلا نفسه وهواه، فيسعى غاية السعي فيما يحمده الناس من الطاعات، وإذا عرضت له عبادة لا يرتضيها الناس ولا يحمدون عليها