لكن لا ينافي ما اخترناه، لأنا لا نجوز التأخير عن نصف الليل في حال الاختيار، لكن يرد عليه أن العشاء على عدم القول بالاختصاص وقتها نصف الليل، والعصر وقتها نصف النهار، فلا يكون وقت العصر أطول، وعلى القول بالاختصاص يكون وقت العشاء أطول بمقدار ركعة، ووقت المغرب على التقديرين مساو لوقت العصر.
فان قيل: نصف الليل الشرعي أقصر من نصف النهار، إذ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس مع كونه داخلا في حساب الليل محسوب شرعا من النهار، وكذا ما بين الغروب إلى ذهاب الحمرة.
قلنا: الوقتان المضافان إلى النهار غير ملحوظين في اعتبار النصف، فان الزوال نصف ما بين الطلوع إلى الغروب، بل الجواب أن الوقتين وإن لم يحسبا في أخذ النصف من النهار لكنهما خارجان من حساب الليل، فيكون نصف الليل أقصر، فان في أول الحمل مثلا عند تساوي الليل والنهار، اليوم الذي يعتبر نصفه وقت العصر اثنتا عشرة ساعة، والليل الشرعي على المشهور عشر ساعات، وعلى مذهب من يكتفي بغيبوبة القرص يزيد نصف ساعة تقريبا، فعلى التقديرين يزيد نصف النهار على نصف الليل وعلى مذهب ذهاب الحمرة ينقص ما بينه وبين غيبوبة القرص من الليل ويزيد في نصف الثاني من النهار ويزيد به وقت العصر.
فهذا الخبر مما يدل على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس داخل في النهار، كما هو مختار العلماء الأخيار، وسيأتي القول فيه. على أنه يمكن أن يكون الحصر بالإضافة إلى غير العشاء أيضا لكنه بعيد، ويحتمل أيضا أن يكون الكلام مبنيا على العادة، فان الوقت الذي يمكن للناس الاتيان بالعشائين فيه غالبا قليل لاشتغالهم بالاكل والنوم، بخلاف العصر، فإنه وقت فراغهم منهما ومن أمثالهما، فيكون أطول بتلك الجهة، فيظهر منه وجه ترجيحها على الظهر أيضا لان أكثر وقتها مصروف في القيلولة والاستراحة، هذا ما حضر لنا من الكلام في هذا الخبر الصادر عن معدن الوحي والالهام، وفي المقام خبايا تركناها لأولي الأفهام