تردها إلى أن رفعته مرة، فقالت أسأل الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ابني، وأما الراكب فليس هوبه.
قال: فوقف الراكب عليها وقال: يا أم عقيل عظم الله أجرك في عقيل ولدك، فقالت له: ويحك مات قال: نعم، قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر فقالت: انزل واقض ذمام القوم، ودفعت إليه كبشا فذبحه وأصلحه وقرب إلينا الطعام، فجعلنا نأكل ونتعجب من صبرها، فلما فرغنا خرجت إلينا وقالت: يا قوم هل فيكم من يحسن من كتاب الله شيئا؟ فقلت نعم، قالت فاقرأ علي آيات أتعزى بها عن ولدي.
فقلت: يقول الله عز وجل " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون " قالت بالله إنها في كتاب الله هكذا؟ قلت والله إنها لفي كتاب الله هكذا، فقالت السلام عليكم، ثم صفت قدميها وصلت ركعات، ثم قالت: " اللهم إني قد فعلت ما أمرتني به فأنجز لي ما وعدتني به، ولو بقي أحد لاحد - قال:
فقلت في نفسي: لبقي ابني لحاجتي إليه فقالت: - لبقي محمد صلى الله عليه وآله لامته.
فخرجت وأنا أقول: ما رأيت أكمل منها ولا أجزل، ذكرت ربها بأكمل خصاله وأجمل خلاله، ثم إنها لما علمت أن الموت لا مدفع له، ولا محيص عنه وأن الجزع لا يجدي نفعا والبكاء لا يرد هالكا، رجعت إلى الصبر الجميل، و احتسبت ابنها عند الله ذخيرة نافعة ليوم الفقر والفاقة.
وروي أن يونس عليه السلام قال لجبرئيل عليه السلام دلني على أعبد أهل الأرض فدله على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه، وذهب ببصره وسمعه، وهو يقول: متعتني بها ما شئت، وسلبتني ما شئت، وأبقيت لي فيك الامل يا بر يا وصول.
وروي أن عيسى عليه السلام مر برجل أعمى أبرص مقعد، مضروب الجنبين بالفالج، وقد تناثر لحمه من الجذام، وهو يقول: " الحمد لله الذي عافاني مما