لا يعرفه، ونجي هم ما كان يجده، وتولدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحته.
ففزع إلى ما كان عوده الأطباء من تسكين الحار بالقار، وتحريك البارد بالحار، فلم يطفئ ببارد إلا ثور حرارة، ولا حرك بحار إلا هيج برودة، ولا اعتدل بممازج لتلك الطبائع إلا أمد منها كل ذات داء حتى فتر معلله، وذهل ممرضه، وتعايا أهله بصفة دائه، وخرسوا عن جواب السائلين عنه، وتنازعوا دونه شجى خبر يكتمونه فقائل هو لما به، وممن لهم إياب عافيته، ومصبر لهم على فقده، يذكرهم أسى الماضين من قبله.
فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا، وترك الأحبة، إذ عرض له عارض من غصصه، فتحيرت نوافذ فطنته، ويبست رطوبة لسانه، فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده، ودعاء مؤلم لقلبه سمعه فتصام عنه، من كبير كان يعظمه أو صغير كان يرحمه، وإن للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة، أو تعتدل على عقول أهل الدنيا (1).
بيان: قيل: نزلت سورة التكاثر في اليهود، قالوا نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان، حتى ماتوا ضلالا، وقيل: في فخذ من الأنصار وقيل: في حيين من قريش: بني عبد مناف بن قصي وبني سهم بن عمرو، تكاثرا فعدوا أشرافهم فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا: نعد موتانا حتى زاروا القبور وقالوا هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان، فكثرهم بنو سهم، لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية.
وكلامه عليه السلام يدل على الأخير " ألهيكم التكاثر " أي شغلكم عن طاعة الله، وعن ذكر الآخرة التكاثر بالأموال والأولاد والتفاخر بكثرتها، " حتى زرتم المقابر " أي حتى أدرككم الموت على تلك الحال، ولم تتوبوا، أو حتى عددتم الأموات في القبور.
" يا له مراما ما أبعده " اللام للتعجب كقولهم يا للدواهي و " مراما وزورا