ساجدا لعظمته.
ثم بعد طي تلك المقامات، والوصول إلى درجة الشهود، والاتصال بالرب الودود، رفع له الأستار من البين، وقربه إلى مقام قاب قوسين، فأكرمه بأن يقرن اسمه باسمه في الشهادتين، ثم حباه بالصلاة عليه وعلى أهل بيته المصطفين، فلما لم يكن بعد الوصول إلا السلام، أكرمه بهذا الانعام، أو أمره بأن يسلم على مقربي جنابه الذين فازوا قبله بمثل هذا المقام، تشريفا له بانعامه، وتأليفا بين مقربي جنابه، أو أنه لما أذنه بالرجوع عن مقام " لي مع الله " الذي لا يرحمه فيه سواه، ولم يخطر بباله غير مولاه، التفت إليه فسلم عليهم، كما يومي إليه هذا الخبر.
فكذا ينبغي للمؤمن إذا أراد أن يتوجه إلى جنابه تعالى بعد تشبثه بالعلائق الدنية، وتوغله في العلائق الدنيوية، أن يدفع عنه الأنجاس الظاهرة والباطنة ويتحلى بما يستر عورته الجسمانية والروحانية، ويتعطر بروايح الأخلاق الحسنة ويتطهر من دنس الذنوب والأخلاق الذميمة، ويخرج من بيته الأصنام والكلاب والصور والخمور الصورية، وعن قلبه صور الأغيار، وكلب النفس الامارة، وسكر الملك والمال والعزة، وأصنام حب الذهب والفضة والأموال والأولاد والنساء وسائر الشهوات الدنيوية.
ثم يتذكر بالاذان والإقامة، ما نسيه بسبب الاشتغال بالشبهات والاعمال من عظمة الله وجلاله ولطفه وقهره وفضل الصلاة وسائر العبادات مرة بعد أخرى، ويتذكر أمور الآخرة وأهوالها وسعاداتها وشقاواتها عند الاستنجاء والوضوء والغسل وأدعيتها إذا علم أسرارها، ثم يتوجه إلى المساجد التي هي بيوت الله في الأرض ويخطر بباله عظمة صاحب البيت وجلاله، إذا وصل إلى أبوابها، فلا يكون عنده أقل عظمة من أبواب الملوك الظاهرة التي إذا وصل إليها دهش وتحير وارتعد وخضع واستكان.
فإذا دخل المسجد، وقرب المحراب الذي هو محل مجاذبة النفس والشيطان