شديد من زواله، والخوف الشديد يوجب انحصار الروح في داخل القلب، فحينئذ يسخن القلب والروح جدا، وتحصل في الروح الباصر كيفية قوة مسخنة، وإن كان الثاني فإنه يحصل عند ذلك الاستحسان حسد شديد وحزن عظيم بسبب حصول تلك النعمة لعدوه، والحزن أيضا يوجب انحصار الروح في داخل القلب وتحصل فيه سخونة شديدة.
فثبت أن عند الاستحسان القوي يسخن الروح جدا فيسخن شعاع العين، بخلاف ما إذا لم يستحسن فإنه لا تحصل هذه السخونة، فظهر الفرق بين الصورتين.
ولهذا السبب أمر الرسول صلى الله عليه وآله العاين بالوضوء، ومن أصابته العين بالاغتسال.
أقول: على ما ذكره، إذا عاين شيئا عند استحسان شئ آخر وحصول تلك الحالة فيه أو عند حصول غضب شديد على رجل آخر، أو حصول هم شديد من مصيبة أو خوف عظيم من عدو أو يؤثر نظره إليه وأي كل شئ يعاينه، ومعلوم أنه ليس كذلك.
ثم قال الرازي: الثاني قال أبو هاشم وأبو القاسم البلخي: لا يمتنع أن يكون العين حقا، ويكون معناه أن صاحب العين إذا شاهد الشئ واعجب به استحسانا كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله تعالى ذلك الشخص أو ذلك الشئ حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف متعلقا به، فهذا التغيير غير ممتنع. ثم لا يبعد أيضا أنه لو ذكر ربه عند تلك الحالة وبعد عن الإعجاب وسأل ربه فعنده تتغير المصلحة، والله سبحانه يبقيه ولا يفنيه، ولما كانت هذه العادة مطردة لا جرم قيل: " العين حق ".
الوجه الثالث: هو قول الحكماء. قالوا: هذا الكلام مبنى على مقدمة، وهي أنه ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، بل قد يكون التأثير نفسانيا ومحضا، ولا تكون القوى الجسمانية لها تعلق به والذي يدل عليه أن اللوح الذي يكون قليل العرض إذا كان موضوعا على الأرض قدر الانسان على المشي عليه، ولو كان موضوعا فيما بين جدارين عاليين لعجز الانسان عن المشي عليه، وما ذاك إلا لأن خوفه من