فما فعل، وقال: لا بد من أن أصل. ولم أحب أن أحدثه في الانصراف على أي وجه كان إلا بأمرك، وقد عرفته بأنه قد رسم لي أن لا يصل إليه أحد من خلق الله أجمعين، فقال: الذي حضرت له بشارة ولا يجوز أن يتأخر وقوفه عليها، فعرفه هذا عني واستأذنه لي في الوصول إليه. فقلت له بضعيف صوت وكلام خفيف:
يريد أن يقول لي قد بلغ الكوكب الفلاني الموضع الفلاني، ويهدي إلي من هذا الجنس ما يضيق به صدري. ويزيد به همي، وما أقدر على سماع كلامك فانصرف. فخرج الحاجب ورجع إلي مستعجلا وقال: إما أن يكون أبو الحسين الصوفي قد جن أو معه أمر عظيم! فإني قد عرفته بما قال مولانا، فقال: ارجع إليه وقل له: والله لو أمرت بضرب عنقي ما انصرفت أو أصل إليك، ووالله ما أكلمك في معنى النجوم بكلمة واحدة. فعجبت من ذلك عجبا شديدا مع علمي بعقل أبي الحسين وأنه مما لا يخرق معي في شئ، وتطلعت نفسي إلى ما يقوله فقلت: أدخله فلما دخل إلي قبل الأرض وبكى وقال: أنت والله في عافية لا بأس عليك، واليوم تبرء ومعي معجزة في ذلك! فقلت له: ما هي؟ فقال: رأيت البارحة في منامي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والناس يهرعون إليه يسألونه حوائجهم، و كان قد تقدمت إليه وقلت: يا أمير المؤمنين! أنا رجل غريب في هذا البلد، تركت نعمتي بالري وتجارتي، وتعلقت بحب هذا الأمير الذي أنا معه، وقد بلغ إلى حد الإياس من العلة، وقد أشفقت أن أهلك بهلاكه، فادع الله تعالى بالعافية له.
فقال: تعني فنا خسرو بن الحسن بن بويه؟ قلت: نعم، يا أمير المؤمنين. فقال:
امض إليه غدا وقل له: أنسيت ما أخبرتك به أمك عني في المنام الذي رأته وهي حامل بك؟ أليس قد أخبرتك (1) بمدة عمرك، وأنك ستعتل إذا بلغت كذا وكذا سنة علة يأيس منها أطباؤك وأهلك ثم تبرأ منها؟ وأنت تصلح من هذه العلة غدا وتبرأ، وأرى صلاحك أن تركب وتعاود عاداتك كلها في كذا وكذا يوما، ولا قطع عليك قبل الاجل الذي خبرتك به أمك عني. قال لي عضد الدولة: وقد