الأرض قبل دحوها عبارة عن مثل ذلك فتكون تسوية السماء متقدمة على دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة، أو بأن يفرق بين تسويتها المذكورة في الثالثة وبين تسويتها سبع سماوات كما في الأولى، وحينئذ فتسويتها مطلقا متقدمة على دحو الأرض، وتسويتها سبعا متأخرة عنه، ولعل هذا أوفق في الجمع، أو بأن يقال:
الفاء في قوله تعالى (فسواها) بمعنى ثم، والمشار إليه بذلك في قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحيها) هو بناء السماء وخلقها لا مجموع ما ذكر قبله، أو بأن يقال كلمة (ثم) في الأولى للترتيب الذكري، وتقديم خلق ما في الأرض في معرض الامتنان لمزيد الاختصاص، فيكون خلق ما في الأرض بعد دحوها كما هو الظاهر، وتسوية السماء متقدمة عليه وعلى دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة. لكن هذا لا يخلو من نوع (1) منافرة لظاهر الآية الثانية، وقد أوردنا بعض التوجيهات لها في شرح بعض الأخبار الآتية.
وقال البيضاوي: كلمة (ثم) في آيتي البقرة والسجدة لتفاوت (2) ما بين الخلقين، وفضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى (ثم كان من الذين آمنوا) لا للتراخي في المدة (3) فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحيها) فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها، إلا أن يستأنف بدحيها مقدر النصب الأرض فعلا آخر دل عليه (أنتم أشد خلقا) مثل: تعرف الأرض وتدبر أمرها بعد ذلك. لكنه خلاف الظاهر (4) (انتهى).
والوجه الثاني: مما قد أجيب به عن أصل الاشكال أن يقال: كلمة (بعد) في الآية الثالثة ليست للتأخر الزماني، إنما هو على جهة تعداد النعم والأذكار