منذ (1) خلق السماوات والأرض، فأحدث الله في ذلك الماء سخونة فارتفع منه زبد ودخان (2) فبقي على وجه الماء، فخلق الله تعالى فيه (3) اليبوسة وأحدث منه الأرض وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق الله منه السماوات. واعلم أن هذه القصة غير موجودة في القرآن فإن دل عليها دليل صحيح قبلت (4) وإلا فلا، وهذه القصة مذكورة في أول الكتاب الذي تزعم اليهود أنه التوراة، وفيه أنه تعالى خلق السماء من أجزاء مظلمة، وهذا هو المعقول لأنا (5) قد دللنا في المعقولات على أن الظلمة ليست كيفية وجودية بل هي عبارة عن عدم النور (6) فالله سبحانه لما خلق الاجزاء التي لا تتجزى فقبل أن يخلق فيها كيفية الضوء كانت مظلمة عديمة النور، ثم إذ ركبها (7) وجعلها سماوات وكواكب وشمسا وقمرا وأحدث صفة الضوء فيها فحينئذ صارت مستنيرة، فثبت أن تلك الأجزاء حين قصد الله تعالى أن يخلق منها السماوات والشمس والقمر كانت مظلمة فصح تسميتها بالدخان، لأنه لا معنى للدخان إلا أجزاء متفرقة غير متواصلة عديمة النور (8).
(فقال لها وللأرض ائتيا) قال البيضاوي: أي بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر، وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة أو ائتيا في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة أو الاخبار أو إتيان السماء بحدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة، أو ليأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما، ويؤيده قراءة (آتيا) من المؤاتاة أي