بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٤ - الصفحة ٢٦
النسخ بكسر الهمزة مصدر (أرتج الباب) أي أغلقه، وفي بعضها بالفتح جمع (رتج) بالتحريك، أو (رتاج) بالكسر. والأول الباب العظيم، والثاني الباب المغلق أو الذي عليه باب صغير، و (الداجي) المظلم، و (الساجي) الساكن، و (الفجاج) جمع (الفج) بالفتح وهو الطريق الواسع بين الجبلين، و (المهاد) بالكسر:
الفراش. واعتمدت على الشئ: اتكأت عليه، وكل حي يعتمد على رجله في المشي وعلى غيرها، ويمكن أن يراد به القوة والتصرف. وأبدعت الشئ، و ابتدعته: أي استخرجته وأحدثته، و (الابتداع) الخلق على غير مثال، و (وارثه) أي الباقي بعد فنائهم، والمالك لما ملكوا ظاهرا، ولا يخفى صراحته في حدوث العالم.
2 النهج: قال عليه السلام: الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل آخر (1).
بيان: الغرض إثبات الأولية والآخرية الحقيقيتين له سبحانه، وظاهر الأول حدوث ما سواه، واستدل بالثاني على ما ذهب إليه كثير من المتكلمين من انعدام العالم بأسره قبل قيام الساعة، ويمكن أن يكون الآخرية باعتبار أن كل ما عداه في التغير والتحول من حال إلى حال، كما ورد في الرواية، وقيل:
أوليته بحسب الخارج، وآخريته بحسب الذهن، أو الآخر في سلسلة الافتقار لاحتياج الكل إليه سبحانه (2).

(1) نهج البلاغة: 194.
(2) الأولية والآخرية وصفان إضافيان، فإذا قويس شئ إلى آخر وجد بعده وصف بالأولية، وإذا قويس إلى شئ وجد قبله وصف بالأخرية. وللتقدم والتأخر أقسام مذكورة في محلها وقد اختلف القوم في تقدم الواجب على الممكنات، فقيل: إن تقدمه زماني، و قيل: على، وقيل: سرمدي إلى غير ذلك.
لكن التقدم الزماني بمعناه المصطلح وهو وقع المتقدم مقارنا لجزء من الزمان متقدم على الجزء الذي وقع المتأخر مقارنا له مما يستحيل في حق الحق سبحانه وتقدس لتعاليه عن مقارنة الزمان ومقايسته بالحدثان. على أن يستلزم قدم الزمان وهو كر على ما فر منه.
وأما تفسير التقدم الزماني بأن الواجب كان في زمان لم يكن شئ، وتتميمه بأن الزمان أمر موهوم منتزع عن ذاته، مما لا يجدي شيئا ولا يسمن ولا يغنى من جوع. لان الزمان إن كان أمرا موهوما فلا يمكن تأثيره في الواقعيات وإناطة البحث الحقيقي به، غاية الأمر تسميته تعالى بالقديم الزماني تسمية ليس وراءه حقيقة ولا تجاوز حد الاسم والوهم وإن كان أمرا واقعيا فلا يمكن انتزاعه من ذات البارئ سبحانه وإلا لتطرق التغير والحدوث إليها.
وأما آخرية الواجب فقيل بالأخرية الزمانة بمعنى أنه يفتى كل شئ إلا الواجب تعالى فيكون زمان ليس فيه غيره سبحانه ولما كان ظاهر هذا القول مخالفا لظواهر الكتاب والسنة من أبدية نشأة الآخرة وخلود أهلها فسر بفناء الموجودات قبل قيام الساعة!
ولقائل أن يقول: هل يكون عند فناء جميع الموجودات زمان أولا؟ فإن كان فلا يكون الواجب آخرا بالنسبة إلى نفس الزمان، وإلا فلا يكون آخرا زمانيا، على أنه تعالى يكون على هذا آخرا بالنسبة إلى الموجودات قبل قيام الساعة لا بعده وله توال فاسدة أخرى.
وحق القول أن الواجب تعالى محيط بجميع العوالم، مهيمن على كافة الموجودات، و يكون وجوده أوسع وأرفع من كل الوجودات، بل هي بأسرها ظل وجوده وشعاع نوره تبارك وتعالى وليس لها استقلال أصلا، فليس بين الوجودات الإمكانية وبين وجوده السرمدي الواجب المحيط الغير المتناهى بل فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى نسبة. فأين المتناهى من غير المتناهى؟
وما للتراب ورب الأرباب؟!
فكلما قويس وجود إمكاني إلى وجوده المتعالى كان من بين يديه ومن خليفة، ومن فوقه ومن تحته، ومن كل جهة من جهاته، وكل شأن من شؤونه محدودا محاطا بوجوده تبارك و تعالى. فإذا لوحظ الجهة السابقة على الموجودات كان سبحانه هو الأول، وإذا لوحظ الجهة اللاحقة كان هو الاخر، وإذا لوحظ ظاهرها كان هو الباطن، وإذا لوحظ باطنها كان هو الظاهر (هو الأول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) (ألا إنه بكل شئ محيط).
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * أبواب * * كليات أحوال العالم وما يتعلق بالسماويات * * الباب الأول * حدوث العالم وبدء خلقه وكيفيته وبعض كليات الأمور 2
3 تفسير الآيات، وبحث وتحقيق حول: " خلق السماوات والأرض في ستة أيام " 6
4 تحقيق في خلق الأرض قبل السماء، أم السماء قبلها 22
5 معنى الحدوث والقدم 31(ه‍)
6 اخبار وخطب في التوحيد 32
7 فيما قاله الرضا عليه السلام لعمران الصابي، وفيه بيان 47
8 الدليل على حدوث الأجسام 62
9 في أن أول ما خلقه الله النور 73
10 في خلق الأشياء 77
11 تفسير قوله تعالى: " وكان عرشه على الماء " 95
12 في إماتة الخلق 104
13 الخطبة التي خطبها أمير المؤمنين (ع) في التوحيد وخلق الأشياء، وفيها بيان 106
14 الخطبة التي خطبها علي عليه السلام، ويذكر فيه ابتداء خلق السماوات... 176
15 في خلق الأشياء من الأنوار الخمسة الطيبة عليهم السلام 192
16 في أن أول ما خلق الله تعالى نور حبيبه محمد صلى الله عليه وآله 198
17 في أن الله تعالى خلق أرض كربلا قبل أن يخلق أرض الكعبة، ودحي الأرض من تحتها 202
18 بيان في علة تخصيص الستة أيام بخلق العالم، وتحقيق حول: اليوم، والسنة القمرية والشمسية، ومعنى الأسبوع في خلق الله 216
19 في بيان معاني الحدوث والقدم 234
20 في تحقيق الأقوال في ذلك 238
21 في كيفية الاستدلال بما تقدم من النصوص 254
22 الدلائل العقلية، وبطلان التسلسل 260
23 في دفع بعض شبه الفلاسفة الدائرة على ألسنة المنافقين والمشككين 278
24 بحث وتحقيق في أول المخلوقات 306
25 بحث وتحقيق ورفع اشكال عن آيات سورة السجدة... 309
26 * الباب الثاني * العوالم ومن كان في الأرض قبل خلق آدم عليه السلام ومن يكون فيها... 316
27 معنى قوله تعالى: " وممن خلقنا أمة يهدون بالحق " والأقوال في هذه الأمة 316
28 في عدد مخلوقات الله تعالى 318
29 في الجن والنسناس 323
30 جابلقا وجابرسا، وقول الصادق عليه السلام: من وراء شمسكم أربعين شمس 329
31 فيما سئله موسى عليه السلام عن بدء الدنيا 331
32 بحث وتحقيق رشيق حول اخبار العوالم وجابلقا وجابرسا، وفي الذيل ما يناسب المقام 349
33 بحث حول عالم المثال 354
34 العلة التي من أجلها سميت الدنيا دنيا والآخرة آخرة 355
35 * الباب الثالث * القلم، واللوح المحفوظ، والكتاب المبين، والامام المبين، وأم الكتاب 357
36 تفسير الآيات 358
37 في اللوح المحفوظ والقلم 362
38 في أن اللوح من درة بيضاء 376