فلما كان السحر أمر أصحابه: فاستقوا ماء وأكثروا، ثم سار حتى مر ببطن العقبة، فنزل عليها، فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له: عمر بن لوذان قال له:
أين تريد؟ قال له الحسين: الكوفة، فقال له الشيخ: أنشدك الله لما انصرفت، فوالله ما تقدم إلا على الأسنة، وحد السيوف، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ووطأوا لك الأشياء فقدمت عليهم، كان ذلك رأيا، فأما على هذه الحال التي تذكر فاني لا أرى لك أن تفعل، فقال له: يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على أمره.
ثم قال عليه السلام: والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم، ثم سار عليه السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف (1) فلما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء وأكثروا ثم سار حتى انتصف النهار، فبينما هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه، فقال له الحسين عليه السلام: الله أكبر لما كبرت؟ فقال: رأيت النخل قال جماعة ممن صحبه:
والله إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط، فقال الحسين عليه السلام: فما ترونه؟ قالوا:
والله نراه أسنة الرماح وآذان الخيل، فقال: وأنا والله أرى ذلك.
ثم قال عليه السلام: ما لنا ملجأ نلجأ إليه ونجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد؟ فقلنا له: بلى هذا ذو جشم (2) إلى جنبك، فمل إليه عن يسارك، فان سبقت إليه فهو كما تريد، فأخذ إليه ذات اليسار، وملنا معه، فلما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبينا [ها] وعدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب، وكأن راياتهم أجنحة الطير، فاستبقنا إلى ذي جشم فسبقناهم إليه وأمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت، وجاء القوم زهاء ألف فارس، مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم.