فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حتى رأى الحسين عليه السلام فوقف الحسين عليه السلام كأنه يريده ثم تركه ومضى، ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا لنسأله، فان عنده خبر الكوفة، فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا: السلام عليك، فقال: وعليكما السلام، قلنا: ممن الرجل؟
قال: أسدي: قلنا له: ونحن أسديان فمن أنت؟ قال: أنا بكر بن فلان فانتسبنا له ثم قلنا له: أخبرنا عن الناس وراءك؟ قال: نعم، لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق.
فأقبلنا حتى لحقنا بالحسين فسايرناه، حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له: يرحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك به علانية وإن شئت سرا، فنظر إلينا وإلى أصحابه ثم قال: ما دون هؤلاء سر فقلنا له: رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس؟ فقال: نعم، قد أردت مسألته فقلنا: قد والله استبرأنا لك خبره، وكفيناك مسألته، وهو امرء منا ذو رأي وصدق وعقل، وإنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهانئ ورآهما يجران في السوق بأرجلهما، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا.
فقلنا له: ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا وإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك، فنظر إلى بني عقيل فقال: ما ترون؟ فقد قتل مسلم؟ فقالوا: والله ما نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق، فأقبل علينا الحسين عليه السلام فقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير، فقلنا له: خار الله لك، فقال: يرحمكم الله، فقال له:
أصحابه: إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان أسرع الناس إليك فسكت (1).