قال: وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا؟
فلم يصبه في منزله، فقال: الحمد الله الذي خرج! ولم يبتلني بدمه، قال: ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح.
فلما كانت الليلة الثانية، خرج إلى القبر أيضا وصلى ركعات، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: اللهم هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت نبيك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أحب المعروف، وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى، ولرسولك رضى.
قال: ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه حتى ضم الحسين إلى صدره وقبل بين عينيه وقال: حبيبي يا حسين كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك، مذبوحا بأرض كرب وبلاء، من عصابة من أمتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمآن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قدموا علي وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة.
قال: فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جده ويقول: يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك، فقال له رسول الله:
لابد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنك وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة، حتى تدخلوا الجنة.
قال: فانتبه الحسين عليه السلام من نومه فزعا مرعوبا فقص رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشد غما من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله ولا أكثر باك ولا باكية منهم.