قتل ذريع (1) سقطت منه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: أمنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضا بالأيدي، فلا حاجة لك إلى الحرب، فقال: لا والله لا أكافيهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حد السيف ما يغني عن ذلك، فهذه إن نسبتها إلى الحلم والصفح فناهيك بها جمالا وحسنا، وإن نسبتها إلى الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام.
أما الجهاد في سبيل الله فمعلوم عند صديقه وعدوه أنه سيد المجاهدين، و هل الجهاد لاحد من الناس إلا له؟ وقد عرفت أن أعظم غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وآله وأشدها نكاية في المشركين بدر الكبرى، قتل فيها سبعون من المشركين، قتل علي عليه السلام نصفهم وقتل المسلمون والملائكة النصف الآخر، وإذا رجعت إلى مغازي محمد بن عمر الواقدي وتاريخ الاشراف ليحيى بن جابر البلاذري وغيرهما علمت صحة ذلك، دع من قتله في غيرها كأحد والخندق وغيرهما، وهذا الفصل لا معنى للاطناب فيه لأنه من المعلومات الضرورية كالعلم بوجود مكة ومصر ونحوهما.
أما الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصحاء وسيد البلغاء، وعن كلامه (2) قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة، وقال عبد الحميد بن يحيى: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت.
وقال نباتة: حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الانفاق إلا سعة وكثرة. حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب عليه السلام. ولما قال محفن بن أبي محفن لمعاوية:
جئتك من عند أعيى الناس قال له: ويحك كيف يكون أعيى الناس فوالله ما سن الفصاحة لقريش غيره؟ ويكفي هذا الكتاب الذي نحن شارحوه دلالة على أنه لا يجازى (3) في الفصاحة ولا يبارى في البلاغة، وحسبك أنه لم يدون لاحد من