حدث، وإنما قال أعداؤه لا رأي له لأنه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه، وقد قال عليه السلام: لولا التقى (1) لكنت أدهى العرب، وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوفقه (2)، سواء كان مطابقا للشرع أولم يكن، ولا ريب أن من يعمل بما يؤدي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها مما يرى الصلاح فيه تكون أحواله الدنياوية إلى الانتظام أقرب، ومن كان بخلاف ذلك يكون أحواله الدنياوية إلى الانتشار أقرب.
وأما السياسة فإنه كان شديد السياسة، خشنا في ذات الله، لم يراقب ابن عمه في عمل كان ولاه إياه، ولا راقب أخاه عقيلا في كلام جبهه به، وأحرق قوما بالنار، ونقض (3) دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبد الله البجلي، وقطع جماعة صلب آخرين، ومن جملة سياسته حروبه في أيام خلافته بالجمل وصفين والنهروان، وفي أقل القليل منها مقنع، فإن كل سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر مما فعل عليه السلام في هذه الحروب بيده وأعوانه، فهذه هي خصائص البشر ومزاياهم، قد أوضحنا أنه فيها الامام المتبع فعله والرئيس المقتفى أثره، وما أقول في رجل يحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة، وتعظمه الفلاسفة على معاندتهم لأهل الملة، وتصور ملكوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها حاملا سيفه مشمرا لحربه، وتصور ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها، كان على سيف عضد الدولة بن بويه وسيف أبيه ركن الدولة وكان على سيف الأرسلان (4) وابنه ملكشاه صورته، كأنهم يتفاءلون به النصر و الظفر، وما أقول في رجل أحب كل أحد أن يتكثر به، وود كل أحد يتجمل ويتحسن بالانتساب إليه، حتى الفتوة التي أحسن ما قيل في حدها: أن لا تستحسن