" كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " (1) وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وحده وكثره بعد القلة وأعز فئته بعد الذلة، وإن يرد الله أن يولينا هذا الامر يذلل لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه، وأنا قابل من رأيك ما كان لله عز وجل رضى وأنت من آمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله.
وذكر الشعبي قال: دخلت الرحبة بالكوفة وأنا غلام في غلمان، فإذا أنا بعلي عليه السلام قائما على صرتين من ذهب وفضة، ومعه مخفقة (2) وهو يطرد الناس بمخفقته، ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس، حتى لم يبق منه شئ، ثم انصرف ولم يحمل إلى بيته قليلا ولا كثيرا، فرجعت إلى أبي فقلت: لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس، قال: من هو يا بني؟ قلت: علي بن أبي الطالب أمير المؤمنين رأيته يصنع كذا فقصصت عليه، فبكى وقال: يا بني بل رأيت خير الناس.
وروى محمد بن فضيل، عن هارون بن عنترة، عن زاذان قال: انطلقت مع قنبر غلام علي عليه السلام إليه، فإذا هو يقول: قم يا أمير المؤمنين فقد خبأت لك خبيئا، قال: وما هو ويحك؟ قال: قم معي، فقام فانطلق به إلى بيته فإذا بغرارة (3) مملوءة من جامات ذهبا وفضة، فقال: يا أمير المؤمنين رأيتك لا تترك شيئا إلا قسمته فادخرت لك هذا من بيت المال! فقال علي عليه السلام: ويحك يا قنبر لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة، ثم سل سيفه وضربها (4) ضربات كثيرة، فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه وآخر ثلثه ونحو ذلك، ثم دعا بالناس فقال: أقسموه بالحصص، ثم قام إلى بيت المال فقسم ما وجد فيه، ثم رأى في البيت أبزار سمل (5) فقال:
وليقسموا هذا، فقالوا: لا حاجة لنا فيه - وقد كان عليه السلام يأخذ من كل عامل مما يعمل -