قبله ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فر قط، ولا ارتاع (1) من كتيبة، ولا بارز أحدا إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى إلى الثانية، (2) وفي الحديث: كانت ضرباته وترا، ولما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما قال له عمرو: لقد أنصفك، فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم أتأمرني بمبارزة أبي حسن (3) وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق؟ أراك طمعت في إمارة الشام بعدي، وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته، فأما قتلاه فافتخار رهطهم بأنه عليه السلام قتلهم أظهر وأكثر، قالت أخت عمرو بن عبد ود ترثيه.
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته أبدا ما دمت في الأبد - لكن قاتله من لا نظير له * وكان يدعى أبوه بيضة البلد وانتبه معاوية يوما فرأى عبد الله بن زبير جالسا تحت رجليه على سريره، فقال (6) له عبد الله يداعبه: يا أمير المؤمنين لو شئت أن أفتك بك لفعلت، فقال:
لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر قال: وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصف إزاء علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لا جرم إنه قتلك وأباك بيسرى يديه وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها، وجملة الامر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتهي، وباسمه ينادي في مشارق الأرض ومغاربها.
وأما القوة والأيد فبه يضرب المثل فيهما، قال ابن قتيبة في المعارف: ما صارع أحدا قط إلا صرعه، وهو الذي قلع باب خيبر، واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقلبوه، وهو الذي اقتلع هبل من أعلى الكعبة وكان عظيما (5) جدا،