فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له، وكفاك في هذا الباب ما يقوله أبو عثمان الجاحظ في مدحه في كتاب البيان والتبيين وفي غيره من كتبه.
وأما سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسم فهو المضروب به المثل فيه، حتى عابه بذلك أعداؤه، وقال عمرو بن العاص لأهل الشام: إنه ذو دعابة (1) شديدة، وقال علي عليه السلام في ذاك: عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة وأني امرؤ تلعابة أعافس (2) وأمارس، وعمرو بن العاص إنما أخذها عن عمر لقوله لما عزم على استخلافه: لله أبوك لولا دعابة فيك، إلا أن عمر اقتصر عليها وعمرو زاد فيها ونسجها، قال (3) صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا، لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه، وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن فلقد كان هشا بشارة المصطفى ذا فكاهة، قال قيس: نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله يمزح ويبسم (4) إلى أصحابه، وأراك تسر حسوا في ارتغاء رفعه، وتعيبه بذلك، أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى، ليس كما يهابك طغام (5) أهل الشام، وقد بقي هذا الخلق متوارثا متناقلا في محبيه وأوليائه إلى الآن، كما بقي الجفاء والخشونة و الوعورة في الجانب الآخر، ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك.
وأما الزهد في الدنيا فهو سيد الزهاد، وبدل الابدال، وإليه يشد الرحال، وعنده تنفض الأحلاس، ما شبع من طعام قط، وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا، قال عبد الله بن أبي رافع: دخلت إليه يوم عيد، فقدم جرابا مختوما، فوجدنا فيه