من خلفي: ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لك (1)، وخذ من رأسك إن كنت مسلما، فمشيت من خلفه وهو مؤتزر بإزار ومرتد برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: أراك غريبا بهذا البلد، قلت: أجل رجل من أهل البصرة، قال: هذا علي أمير المؤمنين، حتى انتهى إلى دار بني معيط وهو سوق الإبل، فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإن اليمين ينفق (2) السلعة ويمحق البركة، ثم أتى أصحاب التمر فإذا خادمة تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده موالي وأبى أن يقبله (3)، فقال: خذ تمرك وأعطها درهما، فإنها خادم ليس لها أمر، فدفعه، فقلت: أتدري من هذا؟ قال: لا، قلت:
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، فصب تمره وأعطاها درهمها وقال: أحب أن ترضى عني، فقال: ما أرضاني عنك إذا وفيتهم حقوقهم، ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال: يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يربو كسبكم، ثم مر مجتازا، ومعه المسلمون حتى أتى أصحاب السمك فقال: لا يباع في سوقنا طاف (4).
ثم أتى دار فرات وهو سوق الكرابيس فقال: يا شيخ أحسن بيعي في قميصي بثلاثة دراهم، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم، ولبسه ما بين الرسغين (5) إلى الكعبين، وقال حين لبسه: الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس وأواري به عورتي فقيل له:
يا أمير المؤمنين هذا شئ ترويه عن نفسك أو شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال:
بل شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول عند الكسوة، فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل: يا فلان! قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم، قال: أفلا