قال الله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقيكم﴾ (1). نعم لو كان ذلك بوصية من النبي صلى الله عليه وآله لكان كاشفا عن فضل ودليلا على شرف (2)، وما روي من أنه يلحق الميت نفع في الآخرة بالدفن في المشاهد المشرفة فإنما هو في الحقيقة إكرام لصاحب المشهد بالتفضل على من حل بساحته وفاز بجواره (3) إن كان من شيعته والمخلصين له.
(١) الحجرات: ١٣.
(٢) وجاء في الصراط المستقيم ٣ / ٢٨: عن إحياء العلوم للغزالي في الفصل الرابع من الجزء الأول:
أن عمر سأل حذيفة هل هو من المنافقين أم لا؟!.
ولولا أنه علم من نفسه صفات تناسب صفات المنافقين لم يكن يشك فيها ولم يتقدم على فضيحتها.
(٣) في المطبوع: بجوازه. وهو سهو.
تذييل:
نود أن نختم بحثنا هذا ببعض الكلمات المأثورة عن خليفة القوم:
منها: ما جاء في كنز العمال ١ / ١٠٣، عن قتادة قال عمر بن الخطاب: من قال إني عالم فهو جاهل، ومن قال إني مؤمن فهو كافر!!. وقريب منه جاء في شعب الايمان.
ومنها: ما قاله الضحاك: قال عمر: يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت أسمن ما أكون زارهم بعض من يحبون فجعلوا بعضي شواء ويعضي قديدا ثم أكلوني فأخرجوني عذرة ولم أكن بشرا. ذكره المتقي في الكنز ٦ / ٣٤٥ وقال: أخرجه هناد.
ومنها: ما ذكره ابن سعد في طبقاته ٣ / ٢٨٦، عن سالم بن عبد الله أنه قال: إن عمر بن الخطاب كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك!.
ومنها: ما عن سعيد بن يسار، قال: بلغ عمر بن الخطاب أن رجلا بالشام يزعم أنه مؤمن، فكتب إلى أميره أن ابعثه إلي، فلما قدم قال: أنت الذي تزعم أنك مؤمن؟. قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال: ويحك! ومم ذاك؟. قال: أولم تكونوا مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أصنافا، مشرك ومنافق ومؤمن؟ ممن أين كنتم؟ فمد عمر يده إليه معرفة لما قال حتى أخذ بيده.
ومنها: سمع عمر بن الخطاب رجلا ينادي رجلا: يا ذا القرنين، قال: أفرغتم من أسماء الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة؟!. أوردها الدميري في حياة الحيوان ٢ / ٢١، وابن حجر في فتح الباري ٦ / ٢٩٥ وغيرهما.
ومنها: قصة شراء الخليفة للإبل من أعرابي، وقوله له أكثر من مرة: إنك رجل سوء، وقضاء علي عليه السلام لنفع الاعرابي، كما أوردها في كنز العمال ٢ / ٢٢١، والمنتخب منه ٢ / ٢٣١ - هامش مسند أحمد - وغيرهما.
وأقول: عرفته الاعراب فكيف يجهل أو يتجاهله غيرهم.
ومنها: ما أورده في عمدة القاري ٧ / ١٤٣، وشرح النهج لابن أبي الحديد ٣ / ١٠٤ - أربع مجلدات - وغيرهما من أنه جاءت سرية لعبيد الله بن عمر تشكوه عند أبيه، فقالت: يا أمير المؤمنين!
ألا تعذرني في أبي عيسى؟!. قال: ومن أبو عيسى؟. قالت: ابنك عبيد الله. قال: ويحك! وقد تكنى بأبي عيسى؟!. ودعاه وقال: إيها! اكتنيت بأبي عيسى؟!. فحذر وفزع، فأخذ يده فعضها!
حتى صاح، ثم ضربه.
وهذا آخر أنواع التأديب والتعزير التي لا تعرفه إلا حكومات الغاب.
ومنها: ما جاء في حاشية السيوطي المدونة على القاموس في لفظ (الابنة): أنها كانت في خمسة في زمن الجاهلية أحدهم سيدنا عمر!. ومن هنا وغيره ادعى لقب: أمير المؤمنين، حيث قال الصادق عليه السلام أنه ما دعاه أحد غير علي بن أبي طالب عليه السلام إلا كان ممن يؤتى في دبره، وألف صاحب تفسير نور الثقلين كتابا أثبت أن هذه الحالة كانت مع الخلفاء الأمويين والعباسيين بأجمعهم، واستشهد بشواهد من الشعر والنثر على وجود تلك العاهة لكل واحد منهم من طريقي العامة والخاصة.
هذا ونوصي بقراءة ما كتبه شيخنا الأميني - رحمه الله - تحت عنوان: نوادر الأثر في علم عمر في موسوعته الغدير ٦ / 83 - 333. وكنا غالبا في بحثنا هذا عيال عليه، وآخذين منه.
قال في محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني 2 / 213 - طبعة مصر - عن ابن عباس قال: كنت مع عمر بن الخطاب في ليلة - وعمر على بغل وأنا على فرس - فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب، فقال: أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم أولى بهذا الامر مني ومن أبي بكر..!.