ومما جاء في عمر بن الخطاب من أنه كان منافقا [ما روي في فضل يوم التاسع من ربيع الأول] [126] ما نقله الشيخ الفاضل علي بن مظاهر الواسطي عن محمد بن العلا الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي قال (1):
(١) وقد روى هذا الحديث مسندا محمد بن جرير الطبري من علماء الإمامية في المائة الرابعة في الفصل المتعلق بأمير المؤمنين (عليه السلام) من «دلائل الإمامة»، ورواه مسندا في «مصباح الأنوار» الشيخ هاشم بن محمد من علماء الإمامية في القرن السادس، وترجمه الحر العاملي في «أمل الآمل»، والخونساري في «روضات الجنات» ص ٧٦٨.
وقال المجلسي في مقدمات «البحار»: يروى من الاصول المعتبرة من الخاصة والعامة.
ونص سند «الدلائل» على ما في «الأنوار النعمانية» للجزائري ص ٤٠ ط إيران سنة ١٣١٦ قال: أخبرنا السيد أبو البركات بن محمد الجرجاني هبة الله القمي، واسمه يحيى قال: حدثنا أحمد بن إسحاق بن محمد البغدادي قال: حدثنا الفقيه الحسن بن الحسن السامري قال: كنت أنا ويحيى بن جريح البغدادي فقصدنا أحمد بن إسحاق القمي صاحب الإمام أبي محمد الحسن العسكري بمدينة قم، وساق الحديث كما هنا.
ونص سند «المصباح»: قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد القميبالكوفة، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن جعدويه القزويني، وكان شيخا صالحا زاهدا سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة صاعدا إلى الحج، قال: حدثني محمد بن علي القزويني، قال: حدثنا الحسن بن الحسن الخالدي بمشهد أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: حدثنا محمد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن محمد بن جريح البغدادي، قالا:
تنازعنا في أمر «أبي الخطاب» «محمد بن أبي زينب» الكوفي واشتبه علينا أمره، فقصدنا جميعا أبا علي أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي صاحب أبي الحسن العسكري (عليه السلام)بمدينة قم، وساق الحديث كما هنا.
وحكى الحديث شيخنا المجلسي في «البحار» ج ٨ ص ٣١٤ و ج ٢٠ ص ٣٣٠ عن كتاب «زوائد الفوائد» لولد الشريف النقيب رضي الدين علي بن طاووس، ثم قال (رحمه الله): إنا وجدنا فيما تصفحنا من الكتب عدة روايات موافقة له فاعتمدنا عليها.
وقال في ص ٣١٦ ج ٨: يظهر من ابن طاووس ورود رواية عن الصادق رواها الصدوق تتضمن القتل في هذا اليوم - التاسع من ربيع الأول - وكذا يظهر من خلفه الجليل ورود عدة روايات دالة عليه، فاستبعاد ابن إدريس وغيره ليس في محله; إذ اعتبار تلك الروايات مع الشهرة بين الشيعة سلفا وخلفا لا يقصر عما ذكره المؤرخون من المخالفين، ويحتمل أن يكونوا غيروا هذا اليوم ليشتبه الأمر على الشيعة فلا يتخذونه يوم عيد وسرور.
وإذا قيل: كيف اشتبه هذا الأمر العظيم بين الفريقين مع كثرة الدواعي على ضبطه؟
قلنا: ليس هذا بأعظم من وفاةرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع وقوع الخلاف بين الفريقين، بل وقع الخلاف بين كل فريق.
على أن المؤرخين اختلفوا في يوم «مقتل عمر»:
فمنهم من قال: في الخامس والعشرين.
ومنهم من قال: في السادس والعشرين.
ومنهم من قال: في السابع والعشرين من ذي الحجة.
ومن نظر إلى الاختلاف بين الشيعة والعامة في كثير من الامور التي توفرت الدواعي على نقلها مع كثرة حاجة الناس إليها كالأذان والوضوءوالصلاةوالحج لا يستبعد مثل هذا الخلاف، إنتهى كلام المجلسي.
ولو أعرضنا عن ذلك، فلا شبهة في كون اليوم التاسع من ربيع الأول يوم شريف عظيم الفضل; لفتوى العلماء الأعلام برجحان التعيد فيه، والإنفاق على المؤمنين، والتوسعة على العيال، والتطيب ولبس الجديد من الثياب، والشكر والعبادة، نقل ذلك الشيخ الكفعمي في المصباح ص ٢٧٠، والعلامة النوري في مستدرك الوسائل ج ١ ص ١٥٥ عن الشيخ المفيد.
وقال المجلسي في البحار ج ٢٠ ص ٣٢٢: ينبغي تعظيم اليوم التاسع من ربيع الأول وإظهار السرور فيه مطلقا لسر مكنون في مطاويه على الوجه الذي ظهر إحتياطا للروايات، فيستحب أن يسمى ذلك اليوم «يوم العيد».
ولم يزل التعيد فيه مطردا بين العلماء، يأمرون أتباعهم وعائلاتهم، حتى إنتهى دور الفقاهة إلى إمام الامة وشيخ الفقهاء الأواخر صاحب «الجواهر» - ذلك الكتاب المبين الذي لم يترك شاردة ولا واردة من فقه الشيعة إلا أحصاها فأكب عليه العلماء منذ ذلك العهد يستمدون من فضله المتدفق - فإنه قال في آخر الأغسالالمستحبة من حيث الزمان: وأما الغسل للتاسع من ربيع الأول فقد حكي من فعل أحمد بن إسحاق القمي معللا بأنه يوم عيد - إلى أن قال صاحب الجواهر - وقد عثرت على خبر مسندا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضل هذا اليوم وشرفه وبركته، وأنه يوم سرورهم (عليهم السلام) وهو طويل، فلعلنا نقول باستحباب الغسل فيه بناء على استحبابه لمثل هذه الأزمنة، لا سيما مع كونه عيدا لنا ولأئمتنا (عليهم السلام)، إنتهى.
وجاء تلميذه من بعده الشريف الأجل سيد الفقهاء الأعلام السيد علي آل بحر العلوم فتبع استاذه وأفتى في «البرهان القاطع» في باب الأغسالالمستحبة برجحان الغسل فيه; لرواية الغسل في الأعياد، وقد ورد أن اليوم التاسع من ربيع الأول من الأعياد العظيمة.
ثم قال: وحيث أن وقوع ما نقله أحمد بن إسحاق في هذا اليوم من الامور العظيمة مما اشتهر بين الشيعة، ووردت به روايات كثيرة، فلا إشكال في استحبابه.
وعلى هذا الأساس لم يتعقب الرواية المحقق الأوحد الآشتياني في حاشيته على رسائل المحقق الأنصاري ص ٢١ ج ١، والعلامة النقيد الحاج ميرزا موسى التبريزي في «أوثق الوسائل» عند ذكر أخبار العفو عن المعصية.
وقد أوقفتنا الخبرة الصادقة على مكانة هؤلاء الأعلام ومن حذا حذوهم من العلماء في العلم والتقوى تورعا عن ورطة الابتداع في الدين، فإرسالهم القول بذلك يرشدنا إلى ثبوته في الشريعة.
فلا يكون من التشريع المحرم إظهار التعيد، وفعل تلك الآثار التي أشرنا إليها من الغسل والإنفاق والتطيب ولبس الجديد، ولو بقصد الورود من الشارع، إما لذلك النص الخاص أو لفتاوى العلماء الأعلام المؤيدة بالأخبار الصحيحة:
ففي الكافي للكليني عن الباقر (عليه السلام): من بلغه ثواب على عمل فعمل ذلك العمل التماسا لذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه.
وفي ثواب الأعمالللصدوق: وإن كان رسول الله لم يقله.
وفي عدة الداعي لابن فهد: وإن لم يكن الأمر كما فعل.
وروى مثل ذلك الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» ج 8 ص 296 عن جابر الأنصاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن هذا يظهر للقارئ المتأمل: أن التعيد في اليوم التاسع للسر المكنون الذي تطابقت كلمات العلماء عليه، لا ما قيل في وجه التعيد: أن الخلافة الإلهية انتقلت فيه إلى الإمام المنتظر - عجل الله فرجه - لبطلانه:
أولا: إنه متوقف ذلك على ثبوته في الواقع، ولم يحصل القطع بوفاة العسكري (عليه السلام) في الثامن من ربيع الأول لتنتقل الخلافة إلى ولده في التاسع، فإن العلماء ذكروا أقوالا في وفاةالعسكري (عليه السلام):
ففي «المصباح» للكفعمي و «مصباح المتهجد» للشيخ الطوسي إنه توفي أول ربيع الأول.
وقيل: في الرابع منه.
وفي «إثبات الوصية» ص 216 ط نجف: مضى في شهر ربيع الآخر.
وفي «تاريخ ابن خلكان»: قيل: في ثامن جمادى الأول.
ومع هذا الاختلاف كيف يحصل الجزم بوفاة العسكري في الثامن لتكون التهنئة للحجة المنتظر (عليه السلام) في التاسع.
وثانيا: إن هذه التهنئة لا تختص بالإمام المهدي (عليه السلام) بل ينبغي التعيد عند استخلاف كل إمام بعد مضي الذي قبله، ولم يذكر أحد من العلماء القول بالتعيد في الثاني والعشرين من شهر رمضان لاستخلاف الحسن (عليه السلام)، وفي الثامن من صفر لاستخلاف الحسين، وفي الحادي عشر من المحرم لإستخلاف السجاد (عليه السلام) إلى غيرهم، ولم ترد رواية بذلك، ولا أفتى به عالم من الشيعة، ولا وصل إلينا أن أحدا من أولاد الأئمة اتخذ يوما من تلك الأيام عيدا وهم في الإمامة والفضيلة شرع سواء.
وثالثا: إن الخلافة تنتقل إلى الإمام الحي في اليوم الذي يقبض فيه أبوه، وفيما نحن فيه يكون استخلاف الحجة في اليوم الثامن لا التاسع، فالتهنئة والتعيد - المفروض - يكون في الثامن، ولكن لما كان يوم الوفاة وما بعده يوم عزاء ومصيبة بارتحال ولي الله - تعالى - لم يكن من المناسب جدا إظهار المسرة وإجراء مراسم الفرح في ذلك اليوم وما بعده.
فالمتحتم إذا أن يكون سبب التعيد في اليوم التاسع من ربيع الأول ما عبر به المجلسي وغيره من السر المصون، وقد أرشدت فتاوى العلماء الأعلام إلى استحباب التعيد فيه مدعومة بالنص المحفوظ في تلك الكتب التي ذكرناها.
ثم إن هنا شيء يجب الالتفات إليه وهو: أن التعيد في هذا اليوم كان مشهورا بين الشيعة قبل السبعمائة; ولذا تكلف «ابن طاووس» الذي هو من علماء القرن السابع لصرف التعيد إلى جهة استخلاف الحجة (عليه السلام) وحينئذ يسأل عن الوجه الباعث لهم إلى التعيد في خصوص التاسع لا قبله ولا بعده، فهل كان هذا عبثا منهم أو أن المنشأ ما أشار إليه العلماء من تلك النكتة؟
وإن الواقف على أحوال العلماء يجزم بأنهم لا يقدمون على الالتزام بحكم ويسندونه إلى الشريعة تشهيا وعبثا حتى لو لم نجد لفتواهم مصدرا ظاهرا وثوقا بتورعهم عن شبهة البدعة التي لا تقال عثرتها، ولعل هناك أسرار لم تصل إلينا، وقد أفاد شيخ المحققين الشيخ أسد الله الكاظمي في «كشف القناع» ص 230 الوجه في جملة من الأحكام التي التزم بها الشيعة ولم يعرف لها مستند ظاهر.
(الهامش من الطبعة السابقة).