المحتضر - حسن بن سليمان الحلي - الصفحة ٩٥
فقال: يا حذيفة; لا أحب أن أجترأ على قضاء الله - تعالى - لما قد سبق في علمه، لكني سألت الله أن يجعل اليوم الذي يقبض فيه له فضيلة على سائر الأيام; ليكون ذلك سنة يستن بها أحبائي وشيعة أهل بيتي ومحبوهم.
فأوحى الله إلي - جل ذكره - أن: يا محمد! كان في سابق علمي أن تمسك وأهل بيتك محن الدنيا وبلاؤها، وظلم المنافقين والغاصبين من عبادي، الذين نصحتهم وخانوك، ومحضتهم وغشوك، وصافيتهم وكاشحوك، وصدقتهم وكذبوك، وأنجيتهم وأسلموك، فأنا آليت بحولي وقوتي وسلطاني لأفتحن على روح من يغصب بعدك عليا حقه ألف باب من النيران من أسفل الفيلوق، ولأصلينه وأصحابه قعرا يشرف عليه إبليس فيلعنه، ولأجعلن ذلك المنافق عبرة في القيامة لفراعنة الأنبياء وأعداء الدين في المحشر، ولأحشرنهم وأوليائهم وجميع الظلمة والمنافقين إلى نار جهنم زرقا كالحين أذلة خزايا نادمين، ولأخلدنهم فيها أبد الآبدين.
يا محمد! لن يرافقك وصيك في منزلتك إلا بما يمسه من البلوى من فرعونه وغاصبه الذي يجترئ علي، ويبدل كلامي، ويشرك بي، ويصد الناس عن سبيلي، وينصب نفسه عجلا لأمتك، ويكفر بي في عرشي.
إني قد أمرت سبع سماواتي لشيعتكم ومحبيكم أن يتعيدوا في هذا اليوم الذي أقبضه فيه إلي.
وأمرتهم أن ينصبوا كرسي كرامتي حذاء البيت المعمور ويثنوا علي ويستغفروا لشيعتكم ومحبيكم من ولد آدم.
وأمرت الكرام الكاتبين أن يرفعوا القلم عن الخلق كلهم ثلاثة أيام (1)

(١) ظاهر هذا الحديث وما ورد مثله (من يوم الغدير إلى ثلاثة أيام) بمقتضى الدلالة اللفظية عدم كتابة السيئات وفيهما إشكال من ناحيتين:
الاولى: عدم التئامهما مع أخبار الوعيد على مخالفة التكاليف الواجبة والمحرمة.
والثانية: عدم صحة إظهار هذا العفو وإبرازه للمكلفين لما فيه من الجرأة والتمرد على مخالفة المولى الحكيم.
ويجاب عن الاولى: بالجمع بين الحديثين وبين أخبار الوعيد بالتصرف في ظاهر الحديثين بحملهما على مجرد قصد المعصية من دون تحققها في الخارج!!!!! وما ورد عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) يشهد لهذا الجمع فإنه قال (عليه السلام): لو كانت النيات من أهل الفسوق يؤخذ بها أهلها لاخذ كل من نوى الزنا بالزنا ومن نوى السرقة بالسرقة من نوى القتل بالقتل ولكن الله عدل كريم ليس الجور من شأنه يثيب على نيات الخير أهلها ولا يؤاخذ أهل الفسوق حتى يفعلوها.
أو يحمل الحديثان على غير المحرم ومما فيه العتاب!!!!!.
وإنما تصرفنا في الحديثين لكون أخبار الوعيد غير قابلة للتأويل.
والجواب عن الناحية الثانية: بأن المصلحة إذا اقتضت إظهار العفو فليس فيه قبح وإن فرض إطلاع من لا يبالي بالعصيان على العفو; لأن هذا العلم حصل لهم بسبب تقصير الرواة المتحملين لهذا الحديث وأمثاله فأذاعوه وكان عليهم أن لا يظهروه إلا لمن يوثق به من أصحابهم، والأئمة من آل الرسول (عليهم السلام) إنما أطلعوا هؤلاء من أصحابهم للوثوق بأنهم لم يتجرؤوا على مخالفة المولى الحكيم، غير أن طهارة نفوسهم من ناحية وحسن ظنهم بالناس ثانيا لم يسدا عليهم باب الإذاعة، فأظهروا مثل هذا العفو لغيرهم!! واتخذ الجاهلون المقصرون وسيلة لعمل القبائح، وجوزوا على الشارع المقدس الترخيص في المعاصي، تعالى عن ذلك قدس الشريعة.
ثم لا يخفى على القارئ الفطن أن العفو في «ثلاثة أيام» لا يشمل الاعتداء على حقوق الناس الخاصة والمشتركة بينهم وبين الله - سبحانه - كالزكاة والخمس ونحوهما، فإن الإقلاع عنها لا يحصل إلا بإرجاع الحقوق إلى أهلها أو الاقتصاص من الفاعل أو بالرضا ممن تعدي عليه، وعفو المولى الحكيم - تعالت آلاؤه - عن ذلك لا أثر له; لأن التعدي لم يكن على جلالة قدسه، وإنما هو جرأة على المؤمن أو المعاهد المحترم دمه وماله وعرضه.
نعم; في الحقوق الراجعة إليه - جل شأنه - فقط لا مانع من العفو عنها تفضلا منه وحنانا على عبيده بعد صدورها منهم.
وما ورد من الأدلة على تكفير الذنب بالتوبة وبالحج وبجملة من الواجبات والمستحبات وبزيارة سيد الشهداء والأئمة (عليهم السلام) والبكاء عليهم مختص بالحقوق الراجعة إلى الله - سبحانه - والوجه في ذلك أن مخالفة التكاليف والطغيان على حقوق الله - سبحانه - ليست من قبيل العلة التامة لإستحقاق العقاب على نحو لا يتخلف المعلول عن علته التامة وإلا لانسد باب الشفاعة والتوبة، وإنما ذلك على نحو الاقتضاء بمعنى أن التمرد على المولى - سبحانه - بطبعه يستوجب العقاب لو لم يصادفه مانع يمنع تأثيره، وأما إذا صادفه مثل التوبة وأمثالها أو تفضل المولى الجليل - عز شأنه - فلا يؤثر.
ومن هذا القبيل نقول في الآية المباركة (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) (مريم / 71) فإنه بعد ثبوت الشفاعة وغيرها من موانع العقاب يكون المراد منها أن الذنب بمقتضى طبعه يوجب ورود النار، وهو أمر محتم، لكن لما ثبتت في الشريعة تلك الموانع فبعد تحققها لا يكون ذلك المقتضي مؤثرا.
وعلى هذا الأساس يظهر لنا معنى قوله - تعالى -: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) (النساء / 93) فإن القاتل لو وفق للممات على ولاية الأئمة الطاهرين يحشر بسبب ذلك تحت لوائهم، وقد دلت الأحاديث على شفاعتهم لمن مات على ولايتهم والتزامهم (عليهم السلام) بإرضاء المظلومين، فإن الإمام (عليه السلام) يقول: «ومن كان للناس على شيعتنا من الحق مشينا إليهم فأرضيناهم وما زلنا نزيدهم حتى نرضيهم» فيكون معنى الآية الكريمة أن قتل المؤمن إذا كان عن عمد له اقتضاء التأثير بالخلود في النار، لكنه ما لم يصادفه المانع مثل الشفاعة وإرضاء المظلومين وإسقاط حقوقهم لأجل الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
ولكن لا يغتر العبد بذلك فيتعدى على حقوق المولى الجليل - عز شأنه - أو يتعدى على العباد، فلقد روي عن أهل البيت (عليهم السلام) إن أصغر الذنوب يحول حائل عند الممات، فلا يتوفق للممات على ولايتهم، ومن لا تكون عاقبته حسنة عند الموت يكون من الخاسرين الهالكين، ومن ذا الذي يؤمن العبد المجترح للسيئات المقترف للآثام الظالم لحقوق العباد من وخامة العاقبة; هذا ما أدى إليه الفكر القاصر والعلم بأسرار التكاليف الإلهية عند مشرعها الأقدس ومن أودع عندهم هذه الأسرار حملة الوحي الإلهي «صلوات الله عليهم أجمعين».
(الهامش من الطبعة السابقة).
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 93 94 95 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة المحقق 3
2 المؤلف 7
3 مشايخه 8
4 تلاميذه 8
5 مؤلفاته 9
6 الكتاب وعملنا فيه 9
7 قول المفيد (رحمه الله) في رؤية المحتضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) عند الوفاة 13
8 أمر ليس فيه ترخيص ولا عنه محيص 14
9 أين دليل التأويل؟ 16
10 هل أن شرط الرؤية في هذا العالم يجري بعد الموت؟ 17
11 الروايات الدالة على إمكان الرؤية في الحياة وبعد الممات 17
12 حضورهم عند عدة أموات في أطراف الدنيا في نفس اللحظة 24
13 إن المؤمن يأكل ويشرب ويتنعم بعد موته 31
14 الإجماع على ثبوت الرجعة إلى الدنيا بعد الموت 32
15 من خصائص الإمامية 33
16 ومما يدل على صحة ما قلناه من أن المؤمن يأكل ويشرب... 34
17 ومما يدل أيضا على أن الأئمة (عليهم السلام) يرون بأجسامهم على الحقيقة... 35
18 ثم إنهم (عليهم السلام) يرون أعدائهم ويرونهم أيضا بعد الموت ويتحدثون بينهم 36
19 إن الميت يزور أهله في دار الدنيا المؤمن والكافر 39
20 الحديث بين الخاتم (صلى الله عليه وآله) وموسى (عليه السلام) في المعراج 40
21 المعراج بالبدن الشريف 42
22 روح المؤمن قسيم جسد النبي والإمام (عليهم السلام) 44
23 ما ثبت من الفضل للنبي (صلى الله عليه وآله) ثبت مثله للوصي (عليه السلام) 46
24 ومما يدل على رؤية المحتضر النبي وعليا والأئمة (عليهم السلام) عند الموت 47
25 الإيمان مستقر ومستودع 53
26 ومما يدل على رؤية الأحياء للأموات في دار الدنيا ورؤية الأموات... 56
27 عودة إلى قول الشيخ المفيد (رحمه الله) 59
28 أما قوله بأن رؤية المحتضر للملائكة كالقول في رؤيته للنبي والوصي (عليهم السلام) 60
29 القول بتجويز رؤية المحتضر للملائكة 60
30 القول بالتفريق بين رؤية الملك ورؤية النبي والوصي (عليهم السلام) 61
31 أمير المؤمنين (عليه السلام) يحدث الحارث عن رؤيته في مواطن عديدة 62
32 ومما يدل على تفضيل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) على سائر الأنبياء والرسل من جهة... 65
33 ما لمحمد وآله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما لعدوهم 68
34 الأمر بلعن أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) 69
35 كيفية الصلاة على محمد وآل محمد 74
36 من فضل عليهم أحدا من خلق الله لم يعقد قلبه على معرفتهم 77
37 أن كل شيء من خلق الله يذكر محمدا وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) 79
38 ومما يدل على تفضيل آل محمد (عليهم السلام) على اولي العزم 80
39 ومما جاء في تفضيل العترة على جميع العالمين 83
40 معاني أسماء أمير المؤمنين 87
41 ومما جاء في عمر بن الخطاب من أنه كان منافقا 89
42 في أن صاحبه - أيضا - كان منافقا 102
43 ومما يدل على نفاقهما وكفرهما في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) 105
44 دعاء صنمي قريش 111
45 علي (عليه السلام) قسيم الجنة والنار ورضوان ومالك صادران عن أمره 126
46 ومما يدل على تفضيل علي (عليه السلام) على سائر الأنبياء 129
47 إن الله أخذ عهد مودتهم على كل نبات وحيوان 139
48 فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) في المعراج 140
49 فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وشيعته يوم القيامة 148
50 علم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) 154
51 أمير المؤمنين (عليه السلام) وولده المعصومون والشيعة 162
52 ومما يدل على تفضيل محمد وآله «صلوات الله عليهم»... 175
53 ومما يدل على تفضيل أمير المؤمنين «صلوات الله عليه»... 177
54 جابلقا وجابرسا 184
55 أمير المؤمنين (عليه السلام) يكلم الشمس 187
56 ومما يدل على أن مشهدهم (عليهم السلام) أفضل المشاهد ومسجدهم أفضل المساجد 188
57 مواضع شريفة كتب عليها اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) 188
58 متى سمي علي (عليه السلام) أمير المؤمنين 190
59 إتحاد نور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوصي (عليه السلام) 190
60 رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى عليا وولده في المعراج 191
61 رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر فضائل أهل بيته ومصائبهم 196
62 حديث الثقلين 199
63 فضائل الشيعة 199
64 ومما يدل على تفضيل محمد وآله (عليهم السلام) بالعلم الذي اوتوه وخصهم (عليهم السلام)... 203
65 وهذا الفضل بعده لولده الأحد عشر (عليهم السلام) 206
66 أن الدنيا وما فيها لله ولرسوله ولأهل بيته (عليهم السلام) 207
67 ومما خص الله به محمدا وآله (عليهم السلام) أن جعل عندهم أسماء محبيهم وشيعتهم... 212
68 أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علم عليا ألف كلمة وألف باب 213
69 زيارة جامعة لجميع الأئمة (عليهم السلام) يذكر فيها أحوالهم وأوصافهم 215
70 بعث الرسل والأنبياء على ولاية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) 222
71 فضل الشيعة 223
72 ان للإمام عمودا من نور يرى به أعمال العباد 225
73 ان الإمام وكر لإرادة الله 227
74 فضائل الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) 232
75 حديث تزويج سيدة النساء من سيد الأوصياء (عليهما السلام) 235
76 حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فضائل الوصي في المعراج 244
77 ولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكعبة 264
78 علي (عليه السلام) خير البشر ومن شك فقد كفر 264
79 النص على الأئمة الإثنى عشر 266
80 أنهم أفضل الخلق أجمعين في الدنيا والآخرة وأمتهم أفضل الأمم 269
81 أن الله خلق خلقا كلهم يلعنون رجلين من هذه الأمة 279
82 ولايتهم أمانة عند الخلق 279
83 خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأيام قليلة 282
84 سبق خلقهم (عليهم السلام) 283
85 ما بعث الله نبيا إلا ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم منه 284
86 الديانة التي من تقدمها مرق ومن تخلف عنها محق ومن لزمها لحق 285
87 أن كل شيء وكل وصي وكل مؤمن يتوسل بهم إلى الله وأن الله ينجح طلبته 286
88 دعاء سريع الإجابة للمقاصد الدنيوية والأخروية في باب التوسل بهم 288
89 مسك الختام 289
90 فهرست الآيات 291
91 فهرست الأحاديث 299