ومن كتاب علي بن عبد الواحد النهدي رحمه الله باسناده إلى عثمان بن عيسى، عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس الصيام من الطعام والشراب أن لا يأكل الانسان ولا يشرب فقط، ولكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك، واحفظ يدك وفرجك، وأكثر السكوت الا من خير، وارفق بخادمك. (1) ومن كتاب النهدي باسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيسر ما افترض الله على الصائم في صيامه ترك الطعام والشراب. (2) أقول: فانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وآله: ان أيسر واجبات الصوم ترك المطعوم والمشروب، وأنت تقول: أهمه ترك ذلك، ففارقت سبيل علام الغيوب.
أقول: والاخبار كثيرة في هذا الباب، فينبغي لذوي الألباب حيث قد عرفوا ان صوم الجوارح وصونها عن السيئات من جملة المهمات ان يراعوا جوارحهم مراعاة الراعي الشفيق على رعيته، وان يحفظوها من كل ما يفطرها، ويخرجها عن قبول عبادته، والا فليعلم من كان عارفا بشروط كمال الصيام ويرضى لنفسه بالاهمال، انه مستخف بصومه ومخاطره بما يتعب فيه من الأعمال.
وليكن على خاطره ان بقسم الغفلة والذنوب يطوف حول أعماله، ويحاول أن يحول بينه وبين مالك إقباله، فيمسي في صيامه في كثير من الأوقات، وقلبه قد أفطر بالخيانات والغفلات، ولسانه قد أفطر بالكلام بالغيبة، أو بمعونة ظالم أو بكذب أو تعمد إثم، وبما لا يليق بالمراقبات، وعينه قد أفطرت بالنظر إلى ما لا يحل عليه، أو بالغفلة عن مراعاة المنعم الذي يتواصل إحسانه إليه.
وسمعه قد أفطر بسماع ما لا يجوز الاصغاء إليه، ويده قد أفطرت باستعمالها فيما لم تخلق لأجله، وقدمه قد أفطرت بالسعي بما لا يقربه إلى مولاه والدخول تحت ظله، وهو