كماله بعد، ومحصل المعنى أن من وجب عليه أداء حق فأخرج نفسه إلى صاحبه ليؤديه لا يستحق الثناء عليه خصوصا إذا لم يفرغ من أدائه ولم يتم له إمضاؤه، وفي بعض النسخ التقية بالتاء ومن فيه متعلق بالإخراج أي لإخراج نفسي من التقية عن الخلق حقوق وجبت علي إذ كان (عليه السلام) إنما يعبد الله غير ملتفت في شيء من عبادته وأداء واجب حقه إلى أحد سواه خوفا منه أو رغبة إليه وكأنه قال تعظيما وتواضعا لله وكسر النفس والميل إليه لم أفعل شيئا مما وجب على فكيف أستحق الثناء لأجله ثم أرشدهم إلى سيرة حسنة ونهاهم عن أمور سيئة بقوله (فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة) لأنه يوجب عجب النفس وكبرها ولأنه (عليه السلام) ليس بجبار وتكلمهم بما ذكر يستلزم وصفه بالجبروت (ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة) البادرة: الحدة وسرعة الغضب والكلام الذي يسبق في حال الغضب والطيش وذلك التحفظ كترك مسارته ومشاورته وحديثه والقيام بين يديه وإعلامه بعض الامور والانبساط معه وعرض الحال عليه إجلالا له وخوفا منه كما يتحفظ ذلك من الملوك، وإنما نهى عنه لما ذكر سابقا لأنه يفوت به كثير من المصالح الدنيوية والأخروية (ولا تخالطوني بالمصانعة) وهي: النفاق والغش والمداهنة وإظهار خلاف ما يضمر، ووجه النهي أنها توجب فساد الدين والدنيا «ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي» فإن طبعه (عليه السلام) كان مجبولا على سماع الحق وعدله كان مستلزما لقبوله والحق وإن كان مرا لكن مرارته عنده كانت حلوا.
(ولا التماس إعظام لنفسي) هذا هو الأمر الخامس: أي لا تظنوا بي طلب إعظام لنفسي فإني لا أطلب عظمة لنفسي أبدا لعلمي بأن أهلها هو الله تعالى، ثم علل قوله ولا تظنوا بقوله (فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه) هذا بمنزلة قياس استثنائي يستثنى منه نقيض اللازم لينتج نقيض المقدم وهو المطلوب تقريره كل من استثقل أن يقال له الحق ويعرض عليه العدل كان العمل بهما أثقل عليه بالضرورة ولكن العمل بهما ليس بثقيل علي فينتج أن كلا من قول الحق لي وعرض العدل على ليس بثقيل، ثم فرع على قوله ولا تظنوا قوله (فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل) فإن في الكف عنهما مفسدة غير محصورة (فإني لست في نفسي بفوق أن أخطأ) هذا تواضع لله باعث لهم على الانبساط معه بقول الحق مثل قول يوسف (عليه السلام) (وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) (ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني) أي أقوى مني على رفعه وكفايته من شرورها وهو إسناد عصمته إلى الله تعالى (فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره يملك منا مالا نملك من أنفسنا) لظهور أنه تعالى يملك منا لأنفسنا وميولنا وخواطرنا ومؤننا واستعدادنا للخير إذ الكل منه ونواصينا بيده، وفيه ترغيب في التمسك بذيل ربوبيته للارتقاء من حضيض النقص إلى أوج