الجور) أي معالمه وعلاماته وآثاره من كل جانب (وكثر الاذعار في الدين): أي في أهله، والإذعار مصدر: وهو التخويف، أو جمع ذعر بالتحريك: وهو الدهش كبطل وأبطال، أو جمع ذعر بالضم:
وهو الخوف كطهر وأطهار وفي بعض النسخ «الإدغال» جمع دغل بالتحريك: وهو المفسد، أو مصدر: وهي الخيانة أو إدخال الفساد يقال: أدغل به إذا خانه الأمر أدخل فيه ما يخالفه ويفسده، وكل ذلك لتبدد الأهواء وتفرقها عن رأى الإمام العادل وأخذ كل أحد فيما يشتهيه ما هو مفسد في الدين ومخالف له (وتركت معالم السنن) أي طرقها وقوانينها (فعمل بالهوى) أي بالظن والرأي والقياس في أحكام الله تعالى (وعطلت الآثار) أي آثار النبي وقوانينه الدالة على تلك الأحكام (وكثرت علل النفوس): أي أمراضها كالغل والحسد والعداوة والعجب والكبر ونحوها.
وقيل: عللها وجوه ارتكابها للمنكرات فتأتي في كل منكر بوجه وعلة ورأي فاسد (ولا يستوحش لجسيم حق عطل) أي لا يحزن لحق جسيم ترك وأهمل (ولا لعظيم باطل أثل) أي عظم أو جعل أصلا يرجع إليه ويعتمد عليه وإنما خص الجسيم والعظيم بالذكر للمبالغة في فساد الدين وللإشعار بأن الحقير أولى بما ذكر (فهنالك تذل الأبرار) لذلة الحق الذي عزهم بعزه (وتعز الأشرار) لعزة الباطل الذي هم عليه (وتخرب البلاد) لشيوع الجور فيها و (تعظم تبعات الله) عز وجل: أي عقوباته (عند العباد) لخروجهم عن طاعته (فهلم أيها الناس إلى التعاون على طاعة الله عز وجل) الفاء للتفريع: أي إذا عرفتم ما ذكر من فوايد أداء الحقوق ومفاسد عدمه فهلم، وهو في لغة الحجاز يطلق على الواحد والجمع والاثنين والمذكر والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح، والطاعة كلها محتاجة إلى التعاون سواء كانت متعلقة بأمور الدين أو الدنيا وسواء كانت واجبة أم مندوبة وسواء كانت مختصة بواحد أم مشتركة بينهم لكل واحد على كل واحد، ومن ثم قيل الإنسان مدني بالطبع محتاج إلى التعاون في أمر المعاش والمعاد (والقيام بعدله) لينتظم أمر الاجتماع والتعاون وحسن المعاملة والقيام به إنما يتحقق بالقيام بالقوانين الشرعية (والوفاء بعهده) وهو الإيمان بالربوبية والرسالة والولاية وما جاء به الرسول قال الله تعالى: (أوفوا بعهدي أوف بعهدكم) وعهدنا ما جعله على نفسه من حسن الجزاء والإثابة.
(والإنصاف له في جميع حقه) بالتصديق به والعمل بما يطلب منه العمل بقدر الجهد والطاقة، ثم أشار إلى علة الأمر بالتعاون وما عطف عليه بقوله: (فإنه ليس العباد إلى شيء أحوج منهم إلى التناصح في ذلك) أي في التعاون (وحسن التعاون عليه) أي على التناصح وهو ان ينصح بعضهم بعضا نصحا خالصا بوجه الله تعالى، وفيه إيماء إلى أن التناصح أيضا من طاعة الله التي يجب التعاون عليها، ثم أشار إلى أن العبد وإن بذل جهده في الطاعة والتعاون والتناصح فهو بعد