النظام والمعاش والمعاد ثم بالغ في حفظهما بقوله (فريضة فرضها الله عز وجل) وبين وجوهها (لكل على كل) أي لكل واحد على كل واحد وقوله «فريضة» بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي كل واحد من الحقين فريضة، وبالنصب على المدح أو الحال، ثم رغب في حفظ تلك الفريضة ومراعاتها بقوله (فجعلها نظام إلفتهم) أي اجتماعهم لأنها سبب لانتظام اجتماعهم في أمر الدين وعدم تفرقهم فيه (وعزا لدينهم) لا تغلبه الأديان الباطلة، والعزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب واستعيرت للحق ووجه المشابهة ظاهر (وقواما لسير الحق) فيهم، إذ بتلك الفريضة تجري سائر الحقوق الإلهية فيهم ولو عطلت عطل جميع تلك الحقوق كما ترى فيما بين المنكرين لتلك الفريضة ويمكن قراءة سير بكسر السين وفتح الياء: جمع السيرة. وهي السنة والطريقة وفي بعض النسخ «لسنن الحق» بالنونين (فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة) أريد بصلاح الرعية كونهم على القوانين الشرعية، وبصلاح الولاة اقتدارهم على إجراء الأحكام بالموازين العدلية (ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية) لأن اقتدار الولاة متوقف على استقامة الرعية وانقيادهم لهم بالضرورة (فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه) وهي الطاعة والانقياد والاتعاظ بمواعظه (وأدى إليها الوالي كذلك) حقهم هو الهداية والإرشاد إلى الخيرات.
(عز الحق فيهم) أي صار عزيزا قويا (وقامت مناهج الدين) أي طرقه وقوانينه لقوام الخلق عليها والعمل بها (واعتدلت معالم العدل) العدل ضد الجور: وهي حالة نفسانية تنشأ من اعتدال القوة العقلية والشهوية والغضبية وقيامها على أوساطها ومعالمه طرقه الموصلة وهي الشرايع النبوية أو حدوده المضروبة عليه، مثل معالم الحرم واعتدال تلك المعالم قيامها واستقرارها على سوقها، ومن البين أنه لو وقع الاختلال في أداء الحق لوقع الاختلال في جميع ذلك وشاع الجور ووقع الهرج والمرج (وجرت على إذلالها السنن) الإذلال بالذال المعجمة جمع ذل بالكسر وبضم وهو الطريق ومحجته وضمير التأنيث راجع إلى السنن لتقدمها معنى أي جرت سنة الله وسنة رسوله على مسالكها وطرقها، ومن هذا القبيل قولهم: أمور الله جارية على إذلالها. أي على مجاريها وطرقها (فصلح بذلك الزمان) لفقد الجور فيه وارتفاعه عنه (وطاب به العيش) لنزول البركة وسعة الرزق وتحقق الإلفة والاجتماع وحسن المعاملة والعدل فيها (وطمع في بقاء الدولة) لقوة الدين وأهله، والدولة بالضم: ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم، وبالفتح: الغلبة في الحرب وقيل: هما سواء وقيل: بالضم في الآخرة وبالفتح في الدنيا (ويئست مطامع الأعداء) اليأس للأعداء إلا أنه نسب إلى مطامعهم مجازا للمبالغة في تحققه.
(وإذا غلبت الرعية على واليهم) بالمنازعة والمخالفة وترك الطاعة (وعلا الوالي الرعية) بالتجبر ورفض حقوقهم (اختلفت هنالك الكلمة) أي كلمات الناس وأقوالهم في طاعته (وظهرت مطامع