لم يبلغ ما الله سبحانه أهله من الطاعة تحذيرا له عن التقصير في بذل الجهد بقوله (وليس أحد وإن اشتد على رضاء الله حرصه) فاشتد سعيه فيما يوجب رضاه (وطال في العمل) الصالح (اجتهاده) ليلا ونهارا (ببالغ حقيقة ما أعطى الله من الحق أهله) أي ما أعطاه الله أهله من الحق فمن بيان لما والضميران له، ولعل المراد هو التنبيه على أن كل من صدر عنه الحق لا يقدر وإن اجتهد أن يبلغ حقيقته ويأتي بها كما ينبغي لأن الاتيان بها إنما يتحقق بأن يأتي بها وبلوازمها وآثارها، ولا ريب في أن ذلك الحق الصادر منه نعمة وعطية من الله تعالى ومن لوازمها الشكر وهو نعمة أخرى وهكذا إلى ما لا يحصى (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) وإذا لم يقدر على الإتيان بحقيقة حق واحد فكيف يقدر على الإتيان بحقايق حقوق متكثرة جدا والله أعلم، ثم أشار إلى أن الميسور يجب أن لا يترك بالمعسور بقوله (ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم) أي بنهاية طاقتهم (والتعاون على إقامة الحق فيهم) بقدر الإمكان وفي بعض النسخ بينهم وفي لفظة من وإدخال الواجب إشارة إلى أن حقوقه تعالى غير منحصرة في الواجب وأن حقه الواجب غير منحصرة في النصيحة، ثم أشار إلى أنه (عليه السلام) مع كمال منزلته في الحق يحتاج في إجراء الأحكام وإقامة الحدود وغيرها إلى إعانة الرعية بقوله (ثم ليس امرء وإن عظمت في الحق منزلته) بسبب رعايته كما ينبغي (وجسمت في الحق فضيلته) لإحاطة علمه بحقوق الله تعالى يعني: وإن كان كاملا في القوة العملية والنظرية (بمستغن عن أن يعان على ما حمله الله عز وجل من حقه) لضرورة أن إجراء حقوق الله تعالى في الخلق لا يمكن بدون القدرة والغلبة عليهم ولا يمكن الغلبة بدون ناصر ومعين (ولا لامرىء مع ذلك) أي مع عدم استغنائه عما ذكر.
(خسئت به الأمور) خسئت صفة لامرئ والظاهر أنه من الخساء بالخاء المعجمة والسين المهملة وهمز اللام: وهو الإبعاد والطرد والبعد والذل والكلال يعني العجز، والباء على الثلاثة الأخيرة للتعدية وعلى الأولين للتأكيد فيها، يعني أن الأمور لعدم جريانها على وفق مراده أبعدته عن أعين الناس وطردته عن نظرهم وأذلته في بصرهم وأعجزته عن نيل المقصود ويحتمل أن يكون ناقصا يائيا من الخسي وهو الفرد يعني أفردته الأمور ولو قرئ خشنت بالشين المعجمة بمعنى صعبت به الأمور واشتدت لكان أظهر ولكنه لم يثبت (وأقتحمته العيون) أقتحمه: احتقره وصغره (بدون ما أن يعين على ذلك ويعان عليه) الظاهر أن ما زائدة يعني أن المرء وإن اتصف بالصفات المذكورة ليس بدون أن يعين غيره على طاعة الله وأداء حقه ولو بأخذ الصدقات والحقوق المالية ونحوها (وأن يعان عليه) ولو بإعطاء ما يسد خلته ويرفع ضرورته وحاجته (وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر في ذلك) أي في أن يعين ويعان (حاجة) لأن ما حمل عليهم أكثر كإعطاء الزكاة والخمس ويحتاجون في ذلك إلى معاون كالفقير