بالتقوى) فالتقي وإن كان عبدا حبشيا أفضل من غيره وإن كان رجلا قرشيا، ثم حث على التقوى ورفض الرسوم الجاهلية من دعوى الفضل بالجاه والمال والنسب ونحوها من الأمور الاعتبارية المحضة التي لا حقيقة لها فقال: مصدرا بحرف التنبيه (ألا وإن للمتقين عند الله أفضل الثواب وأحسن الجزاء والمآب) أي المرجع كما قال عز وجل (وإن للمتقين لحسن مآب * جنات عدن مفتحة لهم الأبواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب * وعندهم قاصرات الطرف أتراب * هذا ما توعدون ليوم الحساب) ثم أشار إلى تسلية المتقين وتعريض الفاسقين بقوله (لم يجعل الله تبارك وتعالى الدنيا للمتقين ثوابا) لاحتقارها وقلتها وانقطاعها «وما عند الله من الأجر الجميل والثواب الجزيل والمقام الرفيع مع دوام ذلك (خير للأبرار) مما ركن إليه الأشرار من الزهرات الفانية الحاضرة والقنيات الزائلة الداثرة لقلتها وسرعة زوالها (انظروا أهل دين الله فيما أصبتم في كتاب الله وتركتم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجاهدتم به في ذات الله أم بحسب أم بنسب) أم بعمل أم بطاعة أم زهادة وفيما أصبحتم فيه راغبين كأنه أشار إلى أن أحوالكم في هذا اليوم على خلافها في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) حيث أن ما أصبتم في عهده من العطية وما لم تصيبوا منها وتركتموه عنده إنما كان باعتبار العمل لله والطاعة له ولرسوله لا باعتبار الحسب والنسب وكذا ما صرفتموه في الجهاد من أموالكم وأنفسكم كان لأجل زهادتكم في الدنيا واليوم صرفتم راغبين في طلب الزيادة والتفضيل باعتبار الحسب والنسب وعن صرف الأموال والأنفس في الجهاد باعتبار الميل إلى الدنيا وترك الزهد فيها فانظروا في الحالين واختاروا ما هو خير لكم وأبقى. هذا محض الاحتمال والله أعلم بحقيقة الحال، ثم رغب في الميل إلى الآخرة والزهد في الدنيا بقوله (فسارعوا إلى منازلكم رحمكم الله) السرعة إليها مستلزمة للسرعة إلى ما يحتاج فيها واللازم هو المراد الذي أمرتم في هذه الدنيا بعمارتها بالأعمال الصالحة وترك حطام الدنيا.
(العامرة التي لا تخرب) عمارتها فلا تحتاج إلى تعميرها وليست كعمارة الدنيا محتاجة إلى التعمير في كل آن (الباقية التي لا تنفد) لدوامها أبدا وليست كالدنيا منقطعة في وقت ما (فاستتموا) واستكملوا (نعم الله عز ذكره وهي ما أتاكم من الإقرار بالتوحيد والرسالة والولاية وغيرها من النعماء الجلية والخفية (بالتسليم لقضائه) والانقياد له بحيث لا يرى على النفس ثقيلا والشكر على نعمائه تفصيلا وإجمالا (فمن لم يرض بهذا) أي بقضائه وكفر بنعمائه فليس منا من ديننا وسنتنا في الدنيا ولا إلينا يرجع في الآخرة (فإن الحاكم منا يحكم بحكم الله) فمن لم يرض بحكمه ليس من حزب الحاكم فالفاء للتعليل (ولا خشية عليه من ذلك) أي لا خشية على الحاكم من عدم الرضا بحكمه إذ ضرره يعود إلى التارك لا إليه (أولئك هم المفلحون) إشارة إلى السارعين إلى الإجابة الراضين بقضائه أو إلى الحكام المفهوم من الحاكم (وفي نسخة ولا