سلامة منك لنا وبقاء منك بين أظهرنا نحدث لله عز وجل بذلك شكرا نعظمه، وذكرا نديمه ونقسم أنصاف أموالنا صدقات وأنصاف رقيقنا عتقاء، ونحدث له تواضعا في أنفسنا ونخشع في جميع امورنا وإن يمض بك إلى الجنان ويجري عليك حتم سبيله فغير متهم فيك قضاؤه ولا مدفوع عنك بلاؤه ولا مختلفة مع ذلك قلوبنا بأن اختياره لك ما عنده على ما كنت فيه، ولكنا نبكي من غير إثم لعز هذا السلطان أن يعود ذليلا وللدين والدنيا أكيلا فلا نرى له خلفا نشكو إليه ولا نظيرا نأمله ولا نقيمه.
* الشرح:
قوله: (خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)) يذكر فيها بوجه كلي الحق الذي به يتحقق نظام الدين والدنيا وكمال النفس والنجاة في الآخرة (أما بعد فقد جعل الله تعالى عليكم حقا بولاية أمركم) قيل اسم لما توليته وقمت به مثل الإمارة فإذا أرادوا المصدر فتحوا (ومنزلتي التي أنزلني الله عز وجل بها منكم) وهي منزلة الإمارة والهداية والإرشاد إلى خير الدنيا والآخرة والباء بمعنى في (ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم) المراد المماثلة في جنس الحق وإن كان الحقان متغايرين في النوع لأن حقنا عليه الأمر والإرشاد وحقه علينا الإطاعة والانقياد مثلا، ثم رغب في القول بالحق والعمل به بقوله (والحق أجمل الأشياء في التواصف) أي في أن يصفه بعضهم لبعض ويذكر كل واحد للآخر نعته لينشر ويرغب فيه (وأوسعها في التناصف) أي في إنصاف بعضهم بعضا من نفسه والعمل به فإن فيه سعة العيش وحسن النظام وفي نهج البلاغة «أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف» معناه أنه إذا أخذ الناس في وصف الحق وبيانه كان لهم في ذلك مجال واسع لسهولته على ألسنتهم وإذا حضر التناصف بينهم فطلب منهم ضاق عليهم المجال لشدة العمل بالحق وصعوبة الإنصاف به لاستلزام ترك بعض المطالب المحبوبة لهم، ثم أكد ما سبق بأن سنة الله جارية على أن من له حقا على الغير كان لذلك الغير أيضا حق عليه فقال: (لا يجرى لأحد إلا جرى عليه ولا يجري عليه إن جرى له) أشار بالحصر الأول إلى أن كون الحق لأحد لا يفارق من كونه عليه، وبالحصر الثاني إلى عكس ذلك ليفيد التلازم بين الحقين تسكينا لنفوسهم بذكر الحق لهم وتوطينا لها على الوفاء به إذ هو لا يترك حقهم فيجب أن لا يتركوا حقه ثم أثبت الحصرين بقياس شرطي استثنى نقيض تاليه لينتج نقيض مقدمه وهو (لو كان لأحد أن يجري ذلك) أي الحق له.
(ولا يجري عليه لكان ذلك الله عز وجل خالصا دون خلقه) إذ الخلق لعجزهم يحتاج كل واحد إلى الآخر فلا محالة إذا كان لأحدهم حق على الغير كان للغير أيضا حق عليه وتبين الملازمة بقوله (لقدرته على العباد) فيقدر على إبقائهم وإفنائهم وأخذ حقه والإنصاف منهم وليس لهم أن يقولوا