على إقامة الحق فيهم، ثم ليس امرء وإن عظمت في الحق منزلته وجسمت في الحق فضيلته بمستغن أن يعان على ما حمله الله عز وجل من حقه ولا لامرىء مع ذلك خسئت به الامور واقتحمته العيون بدون ما أن يعين على ذلك ويعان عليه، وأهل الفضيلة في الحال وأهل النعم العظام أكثر في ذلك حاجة وكل في الحاجة إلى الله عز وجل شرع سواء.
فأجابه رجل من عسكره لا يدرى من هو ويقال: إنه لم ير في عسكره قبل ذلك اليوم ولا بعده فقال:
وأحسن الثناء على الله عز وجل بما أبلاهم وأعطاهم من واجب حقه عليهم والإقرار بكل ما ذكر من تصرف الحالات به وبهم.
ثم قال: أنت أميرنا ونحن رعيتك بك أخرجنا الله عز وجل من الذل وبإعزازك أطلق عباده من الذل.
فاختر علينا وأمض اختيارك وائتمر فأمض ائتمارك فانك القائل المصدق والحاكم الموفق والملك المخول، لا نستحل في شيء معصيتك ولا نقيس علما بعلمك، يعظم عندنا في ذلك خطرك، ويجل عنه في أنفسنا فضلك.
فأجابه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: إن من حق من عظم جلال الله في نفسه وجل موضعه من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه، وإن أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إلا زاد حق الله عليه عظما وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء ولست بحمد الله كذلك ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء، وربما استحلى الناس الثناء بعد البلاء، فلا تثنوا علي بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لابد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي لما لا يصلح لي، فانه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عن مقالة الحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن اخطىء ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره، يملك منا ما لا نملك من أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى.
فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل فقال: أنت أهل ما قلت والله، والله فوق ما قلته فبلاؤه عندنا مالا يكفر وقد حملك الله تبارك وتعالى رعايتنا وولاك سياسة امورنا، فأصبحت علمنا الذي نهتدي