أشتري صلاحكم بفساد نفسي بل يسلط الله عليكم قوما فينتقم لي منكم فلا دنيا استمتعتم بها ولا آخرة صرتم إليها فبعدا وسحقا لأصحاب السعير.
* الشرح:
قوله: (خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)) شكا فيها إلى الله ممن رغب في الدنيا ولم يرض بحكمه وقضائه ورغبه في أمر الآخرة والتسليم والشكر على نعمائه (قال: أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) عبد الله ابن عمرو وولد أبي بكر وسعد بن أبي وقاص يطلبون منه التفضيل لهم) على سائر الناس بالعطايا وغيرها (الحمد لله ولي الحمد) أي مستحق حقيقة الحمد أو جميع أفراده لأن المحامد كلها له أو منه (ومنتهى الكرم) إذ الشرف كله ينتهي إليه أما شرف الذات والصفات والوجود على الإطلاق فظاهر وأما الشرف بالإضافة فهو منه وإليه (لا تدركه الصفات) إذ لا صفة له وكل ماله من صفات كمال فهو راجع إلى سلب ضده عنه كما مر في كتاب التوحيد (ولا يحد باللغات) المختلفة والعبارات المتفاوتة المترقية في الكمال أو ليس له حد حقيقي ولا رسمي ويمكن أن يكون إشارة إلى أن أسماءه الحسنى غيره كما مر أيضا (ولا يعرف بالغايات) إذ لا غاية ولا نهاية ويمكن أن يكون الغرض سلب الإمكان الخاص عنه بناء على أن لوجود كل ممكن غاية مقصودة وهو بدونها ليس هو وليس لوجود الواجب غاية (نبي الهدى) بعث للهداية والإرشاد إلى الله تعالى (وموضع التقوى) لاتصافه بها ومنه تنفجر إلى غيره (ورسول الرب الأعلى) من أن تدرك ذاته عقول العارفين وينال صفاته أوهام الواصفين أو من حيث الرتبة والعلية والشرف (فلا يقولن رجال - آه) مقول القول محذوف بقرينة المقام والسياق، أي فلا يقولن رجال ابن أبي طالب حرمنا ومنع حقوقنا أو هو بمنزلة اللازم والمقصود النهي عن حقيقة القول إذا قال (عليه السلام) في وصفهم كيت وكيت وهو مع كونه عاما تعريض بمن ذكر ووصف الرجال بقوله (قد كانت الدنيا غمرتهم - آه) غمره الماء علاه وفيه مكنية وتخييلية بتشبيه الدنيا بالبحر في الإهلاك وإثبات الغمر لها (والعقار) بالفتح: الأرض والضياع والنخل والكرم ونحوها، والدابة الفارهة: هي النشيطة الحادة القوية، والعار: العيب، والشنار بالفتح: أقبح العيب والعار والأمر المشهور بالشنعة (إذا منعتهم ما كانوا فيه يخوضون من أمر الدنيا وصرف العمر في تحصيلها وطلب الزيادة في القسمة وهذا ظرف لقوله فلا يقولن رجال (وصيرتهم إلى ما يستوجبون) أي يستحقون من التأديب ورفض الدنيا وطلب الآخرة والتساوي في العطايا فالله عليهم المستعان فيما يقولون وما يفترون، ثم أشار من باب الاستيناف بقوله (من استقبل قبلتنا - إلى آخره) إلى أنه (عليه السلام) يجري عليهم أحكام القرآن وحدود الإيمان وقوانينه رضوا أم كرهوا ولا يخاف لومة لائم، ثم أشار إلى دفع ما توهموا من فضلهم على غيرهم بقوله (ليس لأحد على أحد فضل إلا