برسالته وإقراره إنما كان بلسانه.
(وما كانت قضية أعظم بركة منها لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الإسلام) فيه أن للإمام أن يعقد الصلح على ما رآه مصلحة للمسلمين وإن كان يظهر خلاف ذلك في بادئ الرأي لبعض الناس وفيه احتمال المفسدة اليسيرة لدفع مضرة كثيرة أو جلب مصلحة أعظم منها، ومن مصالح هذا الصلح فتح مكة وإسلام أهلها ودخول الناس في دين الله أفواجا لأنه لما وقع الصلح اختلط الناس بعضهم ببعض وجاؤوا إلى المدينة وذهبوا إلى مكة فسمعوا منهم أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله) مفصلة ووقفوا على معجزاته الظاهرة وأعلام نبوته وحسن سيرته وحميدة طريقته وعاينوا بأنفسهم كثيرا من ذلك فمالت نفوسهم إلى الإيمان، فآمنوا، فإن قلت: المنقول أنه (صلى الله عليه وآله) بعد الصلح ذبح الهدي وحلق ورجع فإذا وقع الصلح زال الصد فلم لم يدخل مكة ولم يتم الأفعال؟ قلت: شرط المشركون في الصلح أن لا يدخلها ذلك العام خوف أن يتحدث العرب أنه دخلها عنوة (فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه) ضرب عليه أي أمسكه (فقال: أول ما قضينا عليه) فوجب رده إلينا (فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل قاضيت على شيء) الظاهر ان قاضيت على صيغة المتكلم: أي هل نقضي لك شيء من المال ليكون هو عندنا انه عبر عن المستقبل بالماضي للدلالة على ترقب وقوعه فلم يرض سهيل بن عمرو (فقال: يا محمد ما كنت بغدار) طالبا لرده، فرده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذهب بأبي جندل فقال:) أبو جندل من باب الإنكار أو الاستفهام (يا رسول الله تدفعني إليه؟ قال (صلى الله عليه وآله): لم أشترط لك) حين العقد ولم يقع الاستثناء لك (وقال: اللهم اجعل لأبي جندل مخرجا) من الضيق وأذى المشركين وقد استجاب الله تعالى دعاءه قال أبو عبد الله في شرحه لكتاب مسلم أبو جندل ولد سهيل بن عمرو الذي بعثته قريش ليعقد الصلح، وكان أبو جندل أسلم وحبسه المشركون بمكة فلما كان يوم عقد الصلح وكتب الكتاب جاء موثقا في قيوده وقد انفلت من المشركين إليه (صلى الله عليه وآله) فطلبه أبوه فدفعه وهو يصرخ يا معشر المسلمين أتردوني إلى المشركين فدخل المسلمين أمر عظيم حتى كادوا يهلكون، ثم أن الرجال الذين أسلموا من قريش وغيرهم كرهوا أن يقدموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمكان الهدنة اجتمعوا مع أبي بصير وهو من الذين آمنوا بعد الهدنة ومع أبى جندل وبلغوا نحو الثلاثمائة فخرجوا وقطعوا مارة قريش إلى الشام فبعث أبو سفيان وقومه إلى رسول الله يتضرعون أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ليقدموا عليه وقالوا من خرج منا إليكم فأمسكوه من غير حرج فإن هؤلاء فتحوا علينا بابا وضيقوا الأمر علينا، فعند ذلك علم الذين اغتموا بدفع أبي جندل إلى أبيه وأشاروا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا يدفعه إلى أبيه إنما فعله (صلى الله عليه وآله) كان أحسن وأن ما خصه الله تعالى به من العلم أفضل وأتقن وليس لقريش في فعل أبي بصير وأبي جندل حجة على النبي (صلى الله عليه وآله) لأنهما ما