القضية أن من كان منا أتى إليكم رددتموه إلينا ورسول الله غير مستكره عن دينه ومن جاء إلينا منكم لم نرده إليكم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا حاجة لنا فيهم، وعلى أن يعبد الله فيكم علانية غير سر. وإن كانوا ليتهادون السيور في المدينة إلى مكة وما كانت قضية أعظم بركة منها لقد كاد أن يستولي على أهل مكة الإسلام فضرب سهيل بن عمرو على أبي جندل ابنه فقال: أول ما قاضينا عليه. فقال رسول الله (عليه السلام): وهل قاضيت على شيء فقال: يا محمد ما كنت بغدار قال: فذهب بأبي جندل فقال:
يا رسول الله تدفعني إليه؟ قال: ولم أشترط لك، قال: وقال: اللهم اجعل لأبي جندل مخرجا.
* الشرح:
قوله: (لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة الحديبية) هي موضع على عشرة أميال من مكة سمي بها لبئر هناك تسمى الحديبية وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) محرما بعمرة قصده المشركون فصالحهم ورجع ولم يدخل مكة العام ودخلها العام المقبل، ونقل عن الكسائي أنه يشدد الياء وهي لغة أهل الحجاز، وعن الأصمعي أنه يخففها وهي لغة العراق، وانما سميت هذه الرحلة غزوة مع أنها كانت للعمرة لا للغزاء لأنها كانت في صورة العزوة أو لقصدها على تقدير منع المشركين (خرج في ذي القعدة) سنة ست من الهجرة معتمرا لا يريد حربا واستنهض من حوله من الأعراب وأبطأ عليه كثير منهم وخرج بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق من العرب وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة من ذي الحليفة كما قيل ليأمن الناس من حربه وليعلموا أنه خرج زائرا (فقال: أبغوني رجلا) أي أطلبوه لي يقال: أبغاه الشيء طلبه له كبغاه إياه كرماه (وكانوا ألفا وثمانمائة) روايات العامة في عددهم ذلك اليوم مختلفة ففي بعضها ألف وأربعمائة وفي بعضها ألف وخمسمائة وفي بعضها ألف وثلاثمائة (إذا امرأة معها ابنها على القليب) في النهاية، القليب: البئر التي لم تطو يذكر ويؤنث وفي القاموس، القليب: البئر أو العادية القديمة منها ويؤنث (فلما أثبتت) أي عرفت حق المعرفة (صرخت به هؤلاء الصابئون) الصابي: الخارج من دين إلى دين، وفي النهاية صبأ فلان إذا خرج من دين إلى غيره من قولهم صبأ ناب البعير إذا طلع وصبأت النجوم إذا خرجت من مطالعها. وكانت العرب تسمي النبي (صلى الله عليه وآله) الصابي لأنه خرج من دين قريش إلى دين الإسلام ويسمون من يدخل في الإسلام مصبوا لأنهم كانوا لا يهمزون فأبدلوا من الهمزة واوا ويسمون المسلمين الصباة بغير همز كأنه جمع صابي غير مهموز كغاز وغزاة وقاض وقضاة (فأرسل المشركون إليه أبان بن سعيد في الخيل فكان بإزائه) يمنعه من الوصول إلى مكة (ثم أرسلوا الحبيش) هو الحبيش بن علقمة الكناني سيد الأحلس، وفي كتاب إكمال الإكمال حليش باللام، وفي بعض النسخ الحلش مكبرا، والغرض من إرساله إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ليعلم حاله واستعداده ويعلم أنه