لماذا جاء هل جاء محاربا أو جاء زائرا؟ فلما رأى البدن في عرض الوادي على هيئة الهدي علم أنه جاء زائرا فرجع قبل الوصول إليه إعظاما لما رأى فأخبر أبا سفيان بذلك (فرأى البدن) في البادية وهي بضمتين جمع البدنة محركة: وهي من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى إلى مكة للذكر والأنثى (وهي يأكل بعضها أو بار بعض) كناية عن عض بعضها ظهر بعض والمقصود تجرها عن القتب والجهاز وهي علامة الهدى لأن إبل الهدى تساق كذلك (والله ما على هذا حالفناكم) يعنى حالفناكم على أن نرد عنكم عدوكم إن جاؤوا محاربين لا ما إذا جاؤوا زائرين للبيت قال ذلك لأن المشركين كانوا يعظمون البيت والزائرين لها، وكان الصد والمنع من بلوغ الهدي محله قبيحا عندهم (فقال: اسكت فإنما أنت أعرابي) لاعلم لك بالحيل وتدبير الحروب ودفع الجيوش، فقال:
(والله لتخلين عن محمد وما أراد) من دخول مكة وطوايف البيت ونحر الجزور في محله (أو لأ نفردن في الأحابيش) في القاموس حبشي بالضم: جبل بأسفل مكة ومنه أحابيش قريش لأنهم تحالفوا بالله على أنهم ليد على غيرهم ما سحاليل ووضح نهار وما رسا حبشي، وفي النهاية الأحابيش: أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا والتحبش: التجمع، وقيل:
حالفوا قريشا تحت جبل يسمى حبشي فسموا بذلك (فقال: اسكت حتى تأخذ من محمد ولثا) الولث بفتح الواو وسكون اللام والثاء المثلثة: العهد الغير المحكم والمؤكد من ولث السحاب ذا أتى بندى يسير كذا ذكره في الفائق وفسره الأصمعي وقيل: هو العهد المحكم وقيل: هو الشيء اليسير من العهد (وقد كان جاء إلى قريش) الغرض منه بيان سبب انضمام عروة بن مسعود إلى قريش وحاصله أن قوما من التجار فيهم عروة خرجوا من الطائف وخرج معهم المغيرة بن شعبة فقتلهم غيلة وهرب عروة إلى قريش وكان بينهم. وقوله (فأرسلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)) تكرار لتحقق الربط بعد وقوع البسط بالقصة المذكورة قال (فأقيموها فأقاموها) لعل الغرض من إقامتها أن يعلم عروة أنها هدي وأنه جاء زائرا لا محاربا فيخبر قومه إذا رجع إليهم (وأخلي عنكم وعن لحمانها) اللحمان كاللحوم: جمع اللحم (وأن تجرى عليهم عدوهم) أي أن تجعل عدوهم جريا عليهم، لأن الدخول عليهم بدون إذنهم سبب لجرأة سائر الأعداء عليهم من جرأته عليه تجريئا فاجترء، ويحتمل أن يكون تجرى بالياء من الإجراء وأن يراد بالعدو من كان معه (صلى الله عليه وآله) من أهل الإسلام (فقال: يا غدر) الغدر كصرد: الغادر من الغدر وهو ترك الوفاء غدره وبه كضرب ونصر وسمع غدرا (والله ما جئت إلا في غسل سلحتك) في بمعنى الباء، والسلحة: النجو وهذا كناية عن دفع عاره بتوسله بالنبي (صلى الله عليه وآله) ومن طريق العامة في حديث الحديبية والمغيرة «وهل غسلت سوءتك إلا أمس» قال في النهاية: السوءة في الأصل: الفرج ثم نقل إلى ما يستحي منه إذا ظهر من قول أو فعل وهذا القول إشارة إلى غدر كان المغيرة