لا توجب الكمال كل الكمال حتى تقترن بالأعمال بقوله (وخذ حظك من آخرتك) أي خذ نصيبك في الدنيا من أجل آخرتك كما روي خذ من الدنيا للآخرة ويحتمل أن يراد بآخرتك عملها أو حذف مضاف أي من عمل آخرتك (وقال أبو عبد الله (عليه السلام)) للحث على المبادرة إلى تطهير النفس من العيوب وفي بعض النسخ فقال بالفاء (أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه) لأن النافع ما يوجب السعادة في الآخرة والتقرب من الحق وهو إما تخلية عن العيوب والرذائل أو تحليه بالأعمال الصالحة والفضايل، والأول أقدم وأنفع من الثاني مع أنه أيضا عمل معين كسائر الأعمال في النفع والتأثير في الترقي إلى المقامات العالية كما قيل ادفع القيد وجد في السير (وأشد شيء مؤونة اخفاء الفاقة) لعل السر فيه أن المطلوب كلما كان أقوى كان فواته أشد ومن البين أن أقوى مطالب النفس التذاذها بالغنى والراحة وكل ذلك مفقود عند الفاقة فهو أشد وأخفاؤها أشد عليها من غيرهما.
(وأقل الأشياء غناء النصيحة لمن لا يقبلها ومحاورة الحريص) الغناء بالفتح والمد: النفع والمحاورة في أكثر النسخ بالجيم وفي بعضها بالحاء المهملة ومن البين أنه لا نفع في تلك المحاورة فوجب تركها بل فيها ضرر وهو سبب آخر لتركها بالأولوية ولذا لم يذكره وأنه لا نفع في هذه النصيحة للمنصوح أصلا ولا للناصح لأن النفع المقصود له أصالة تسديد المنصوح وهو لم يقبله وإن كان له نفع من حيث أنه ناصح ولكنه غير مقصود له أصالة ولهذا حكم بالقلة.
(وأروح الروح اليأس من الناس) لأن اليأس منهم يوجب رفض الطلب وسكون النفس عن الاضطراب وتوجه السر إلى الله تعالى ونزول الرزق من قبله، وكل ذلك سبب الروح والراحة النفسانية والجسمانية (وقال: لا تكن ضجرا ولا غلقا) الضجر: التبرم والإنزعاج، ضجر منه وبه كفرح: تبرم وانزعج فهو ضجر، والغلق بالغين المعجمة محركة ضيق الصدر وقلة الصبر وسوء الخلق وهما يورثان نقص الإيمان وكسر القلوب وضيق العيش وتبدد النظام (وذلل نفسك باحتمال من خالفك ومن هو فوقك ومن له الفضل عليك) أمر بتذليل النفس باعتبار أمور من صنفين وان كان شاقة عليها أحدهما ذوو القدرة من أهل الخلاف فإن إظهار مخالفتهم يورث الهلاك في الدنيا وثانيهما ذوو الفضل والعلم وأقدمهم الأئمة عليهم السلام فإن خلافهم يوجب الهلاك في الآخرة (ومن لا يعرف لأحد الفضل فهو المعجب برأيه) أي بتخيلاته الفاسدة وتوهماته الباطلة، كعلماء المخالفين وأئمتهم وأتباعهم الذين يأخذون بآرائهم فيما يشكل من أمر الدين، وما لم يأتهم فيه حديث ولا أثر، والمحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي (وقال لرجل: اعلم أنه لا عز لمن لم يتذلل لله تبارك وتعالى ولا رفعة لمن لم يتواضع لله عز وجل) العزة والرفعة في الحقيقة لمن أعزه الله ورفعه