إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة فان ذلك أنفع لك بما قسم لك وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك، واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله جل ذكره من العمل الكثير على غير يقين.
واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم ولا عيش أهنأ من حسن الخلق ولا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي، ولا جهل أضر من العجب.
* الشرح:
قوله: (انظر إلى من هو دونك في المقدرة ولا تنظر إلى من هو فوقك في المقدرة) المقدرة مثلثة الدال الغنى واليسار والقوة (فإن ذلك أقنع لك بما قسم لك) أي يوجب زيادة القناعة والرضا بها (وأحرى أن تستوجب الزيادة من ربك) لأن الرضا بالنعمة ومعرفة قدرها تعظيم للمنعم وشكر له والشكر يوجب الزيادة كما نطق به القرآن الكريم بخلاف نظرك إلى الفوق فإنه يوجب عدم القناعة والرضا بما في يدك وهو كفران يوجب زوال النعمة وسخط المنعم (واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند الله عز وجل من العمل الكثير على غير يقين) اليقين: العلم الجازم الثابت المطابق للواقع، وبعبارة أخرى العلم بالحق مع العلم بأنه لا يكون خلافه فهو في الحقيقة مركب من علمين كما صرح به المحقق في أوصاف الأشراف ويندرج فيه العلم بالمبدأ والمعاد والرسالة والإمامة وغير ذلك مما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) ولابد من تقييد العمل الكثير بالدوام وليتحقق أن الفضل من جهة اليقين (واعلم أنه لا ورع أنفع من تجنب محارم الله والكف عن أذى المؤمنين واغتيابهم) الورع في الأصل: الكف عن محارم الله تعالى والتحرج منه ثم استعير للكف عن المباح كالشبهات وعن الحلال الذي يتخوف منه أن ينجر إلى الحرام كالتحدث بأحوال الناس لمخافة أن ينجر إلى الغيبة وعما سوى الله للتحرز عن صرف العمر ساعة فيما لا يفيد زيادة القرب والأول وهو الكف عن المحارم أنفع لشدة العقوبة على ارتكابها بخلاف البواقي ثم الأذى والإغتياب داخلان في المحارم ومن افرادهما وذكرهما بعدها من باب ذكر الخاص بعد العام للاهتمام لأنهما أشد قبحا وأقوى فسادا وأبعد عفوا وأصعب توبة.
(ولا عيش أهنأ من حسن الخلق) العيش: الحياة وما يعاش به والمقصود به أن حسن خلق الرجل مع بني نوعه أدخل في نضارة عيشه من المال ونحوه لأنه يوجب ميلهم إليه ونصرتهم له بخلاف سوء خلقه فإنه يوجب التنفر عنه والأضرار له والوقيعة فيه وكل ذلك يوجب تكدر عيشه وإن كان ذا مال (ولا مال أنفع من القنوع باليسير المجزي) شبه القنوع باليسير المجزي وهو