وبركاته عليهم، ثم عرف اناس بعد يسير وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) مكرها فبايع وذلك قول الله تعالى: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين».
* الشرح:
قوله: (المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي رضى الله عنهم) قال الشيخ القرطبي في شرح مسلم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ان الله أمرني أن أحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم على وأبو ذر والمقداد وسلمان» (ثم عرف أناس بعد يسير) يسير بالجر على الإضافة: أي بعد زمان قليل أو بالرفع صفة لاناس ولفظة بعد على الأول للتقييد وعلى الثاني للتأكيد (وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا) أي رحى الإسلام شبههم بقطب الرحى في توقف نظام الإسلام وجريانه عليهم ( وذلك قول الله عز وجل. انتهى) ذلك إشارة إلى ارتداد الأمة وبقاء قليل على الإسلام وهم المقربون بنعمة الله التي هي الولاية الشاكرون عليها.
* الأصل:
342 - حنان، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنبر يوم فتح مكة فقال:
أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها (ألا إنكم من آدم (عليه السلام) وآدم من طين) ألا إن خير عباد الله عبد اتقاه، إن العربية كل واحد من هذين يقتضي انتفاء كل واحد من النخوة والتفاخر وتخصيص الأول بالأول والثاني بالثاني بعيد، ثم أشار إلى ما هو سبب للتعاظم والشرف من عند الله حثا عليه بقوله (إلا أن خير عباد الله عبد اتقاه) تمسك بدينه وارتكب طاعته واجتنب مخالفته (إن العربية ليست باب والد ولكنها لسان ناطق) الملة النبوية العربية ليست من جهة الأب حتى يتفاخر بالأب بل من جهة النطق بالحق فيها فمن كانت له هذه الجهة فهو من أهل الشرف والتفاخر ويحتمل أن يراد بالعربية لغة العربية والانتساب إلى إبراهيم (عليه السلام) فيكون ردا على مشركي العرب وأضرابهم ممن يتفاخر بها على غيرهم بأن المنتسب إليه كل من تكلم بالحق وإن لم تكن من أولاده وهذا أنسب بقوله (فمن قصر به عمله لم يبلغه حسبه) ولا ينفعه إذ الشرف بالأعمال لا بالآباء (ألا ان كل دم كان في الجاهلية أو إحنة - والإخنة: الشحناء - فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة) الاحنة بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة الحقد والغضب والعداوة جمعه كعنب فعله كسمع والشحنة: والشحناء العدواة، قوله «تحت قدمي» مثل للردع والقمع وعبارة عن الإهدار والإبطال وهذا كما يقول الموادع لصاحبه: اجعل ما سلف تحت قدميك يريد طأ عليه