(يقظان عند نوم الغافلين) أمر بالعبادة عنده لأنها أشق عملا وأكمل درجة وأجزل ثوابا وأفضل قربا.
(يا عيسى هذه) المذكورات (نصيحتي إياك) خالصة من الإطراء والنقصان (وموعظتي لك) طاهرة من النقص والطغيان (فخذها مني) أخذ القبول والطاعة والانقياد.
(فإني رب العالمين) تعليل لما سبق لأن هذا الوصف يقتضي نصيحتهم وموعظتهم وتربيتهم وإرشادهم إلى ما هو سبب العروج من حد النقص إلى الكمال، فعليه البيان والإرشاد والهداية وعليهم القبول والعمل والدراية.
(يا عيسى إذا صبر عبدي في جنبي) أي في أمري التكليفي مثل الحج والصوم والصلاة والإيجادي مثل الفقر والنوائب والبليات أو في جانبي وسبيلي وهو الدين القويم والصراط المستقيم أو في حفظ أوليائي وتحمل الشدايد في متابعتهم، والجنب يطلق على هذه المعاني كما هو ظاهر لمن تتبع اللغة والاستعمال.
والصبر على هذه الأمور من أعظم العبادات وأفضل القربات وأجره جزيل وثوابه جميل فلذلك قال: (كان ثواب عمله علي) حيث أحاله على ذاته المقدسة وخصه به إظهارا لمزيد الاعتناء به مع أن ثواب جميع الأعمال الصالحة عليه (وكنت عنده حيث يدعوني) بالقرب المعنوي المخصوص المقتضي لإجابة الدعاء وإفاضة الخير وإنزال الرحمة عليه، فلا يرد أنه تعالى عند كل أحد ولو كان كافرا.
ثم بعدما بشر من إطاعة حذر من عصاه بقوله: (وكفى بي منتقما ممن عصاني) الباء زائدة وياء المتكلم فاعل كما في قوله تعالى (وكفى بالله شهيدا) يقال كفى الشيء يكفيه كفاية فهو كاف إذا حصل به الاستغناء عن غيره (والله غالب على كل شيء) فلا يحتاج في الانتقام من أحد إلى غيره (والله عزيز ذو انتقام).
ثم حذرهم من الاغترار بالإمهال فقال: (أين يهرب مني الظالمون) لأنهم لو فروا فغاية فرارهم الوصول إليه إذ هم لا يخرجون من ملكه وملكه لا يخلو منه.
(يا عيسى أطب الكلام) أمره بالتكلم بما ينفع ولا يضر وحفظ اللسان عن التسرع بما لا يعني وما يؤذي أحدا والله تعالى عند لسان كل قائل فليتق الله عبد ولينظر ما يقول.
(وكن حيث ما كنت عالما متعلما) ترغيب في اكتساب فضيلة العلم والتعلم لأن عليهما مدار التكليف والرجوع إلى الله تعالى وتنبيه على أن العالم وإن بلغ حد الكمال في ظنه لابد له من أن يتعلم لأن العلم بحر لا ينزف كما دل عليه قوله تعالى (وفوق كل ذي علم عليم) ودل عليه أيضا حكاية موسى مع الخضر عليهما السلام ولذلك أمر الله تعالى سيد المرسلين وهو أعلم العالمين طلب الزيادة في العلم بقوله (وقل رب زدني علما).
(يا عيسى أفض بالحسنات إلي حتى يكون لك ذكرها عندي) أي ذكر أجرها وثوابها أو ذكر