ينتفي بانتفاء الجزء فلا ينافي بقاء النفس كما هو الحق.
(ومني رزقك) فثق به وكل ما يحتاج إليه ذو حياة في حياته وبقائه (وعندي ميقات أجلك) أي الوقت أو المكان المقدران لموتك، فالإضافة لامية ولو أريد بالميقات الوقت المضروب للحياة وبالأجل مدة الحياة كانت الإضافة بيانية (وإلي إيابك) أي رجوعك بعد نزولك في الدنيا زمانا مقدرا (وعلى حسابك) مما فعلت في الدنيا من خير أو شر وهذه الفقرات كعلة مستقلة للرجوع إليه في جميع الأمور وطلب جميع المطالب منه لا من غيره فلذلك قال (فسلني ولا تسأل غيري) لأنه لا يملك لك نفعا ولا ضرا وذلك لإفادة أن جميع الأمور الدنيوية والأخروية بيده وليس شيء منها بيد غيره فوجب السؤال منه لا من غيره.
(فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة) نبه على أن الإجابة المقرونة بالدعاء المقترن بالشرائط التي من جملتها تفريغ القلب عن الغير والتوسل به والتضرع إليه.
(يا عيسى ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر) أشار على سبيل التعجب إلى أن الصابر من البشر مع كثرتهم قليل والأكثر لا صبر لهم في مقام الطاعة والمعصية ونزول النوائب والمكاره لضعف عقولهم وقلة علومهم وطغيان نفوسهم وفرار طباعهم عن مرارة الصبر.
(الأشجار كثيرة وطيبها قليل) وهو الذي له أثمار نفيسة ورائحة طيبة وهذا من باب التمثيل لتشبيه المعقول بالمحسوس لقصد الإيضاح (فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها) نهى عن النظر إلى حسن الصورة حتى ينظر إلى حسن السيرة لأن الكمال إنما هو الثاني دون الأول، ولذلك كان العارفون لا يتخذون صديقا ولا يؤثرون رفيقا حتى يمتحنوا ويعرفوا حاله وعقله وعلمه وكماله وخلقه وقوته في الدين وعلموا أن اتخاذ الصديق قبل الاختبار يوجب الفراق منه بالاختيار أو الاضطرار.
(يا عيسى لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان) التمرد «سر كشى كردن» والمتمرد العاتي الشديد، وتغريره خدعته ومكره بفعله أو قوله ليجعل الغير مثله.
(يأكل رزقي ويعبد غيري) فيضع قوته في غير موضعها وهو الظلم الصريح وذلك الغير هو الأصنام أو الشيطان أو النفس الأمارة وهواها والداعي إلى غير سبيل الله لأن كل من اتبع أحدا وسمع قوله وأذعن له فقد عبده كما دل عليه الآيات والروايات.
(ثم يدعوني عند الكرب) الكرب: الحزن يأخذ النفس لشدته كالكربة بالضم والجمع كروب ودعاؤه عند الكرب ونزول البلاء في نفسه أو ماله أو ولده لضعف نفسه الأمارة عن الطغيان وزوال ما يدعوها إلى التمرد والعصيان فيدعوه عقله الصريح إلى الرجوع إليه والتضرع بين يديه (فأجيبه) تفضلا لعله يتذكر أو يخشى أو ليكون حجة عليه (ثم يرجع) بعد الإجابة ورفع الكرب عنه (إلى ما كان عليه) من التمرد والعصيان وعبادة الغير لزوال موانع الطغيان وهو الكرب وحصول بواعث العصيان وهي رفاهة الخاطر وقوة النفس الأمارة.
(فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض) الاستفهام للتعجب وإنما ردد بين الأمرين لأن العاصي لا يخلو من أحدهما إذ عصيانه إن